الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2647 17 - حدثنا حفص بن عمر الحوضي ، قال : حدثنا همام ، عن إسحاق ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين رجلا ، فلما قدموا ، قال لهم : خالي أتقدمكم ، فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كنتم مني قريبا . فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه ، فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة . ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم ، إلا رجل أعرج صعد [ ص: 98 ] الجبل . قال همام : فأراه آخر معه ، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم ، فكنا نقرأ ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحا ، على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في كون هذا البعث المذكور قد نكبوا في سبيل الله بالقتل .

                                                                                                                                                                                  وحفص بن عمر بن الحارث ، أبو عمر الحوضي ، والحوضي نسبة إلى حوض داود ، وهي محلة ببغداد ، وحفص من أفراد البخاري . وهمام بالتشديد ، ابن يحيى البصري . وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة . والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من بني سليم " ، قال الدمياطي : هو وهم ، فإن بني سليم مبعوث إليهم ، والمبعوث هم القراء ، وهم من الأنصار . وقال الكرماني : بنو سليم ، بضم المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف ، قيل : إنه وهم من المؤلف ، إذ المبعوث إليهم هم منبني سليم ، لأن رعلا هو ابن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة ، بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وبالمثلثة ، ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة ، بالخاء المعجمة ثم الصاد المهملة والفاء المفتوحات . وذكوان هو ابن ثعلبة بن بهثة . وعصية هو ابن خفاف ، بضم المعجمة وخفة الفاء الأولى ، ابن امرئ القيس بن بهثة ، وقال الجوهري : رعل وذكوان قبيلتان من بني سليم ، وعصية بطن من بني سليم . وقال بعضهم : الوهم من حفص بن عمر شيخ البخاري ، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام ، فقال : بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا ، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل . وقال الكرماني : الطفيل هو ابن مالك بن خصفة ، فهو إذن هو أبو سليم ، وأما بنو عامر فهم أولاد عامر بن صعصعة ، بالمهملات ، ثم قال : اعلم أنه لا وهم في كلام البخاري ، إذ يجوز أن يقال أن " أقواما " هو منصوب بإسقاط الخافض ، أي : إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر . فإن قلت : أين مفعول " بعث " . قلت : اكتفى بصيغة المفعول عن المفعول ، أي : بعث بعثا أو طائفة في جملة سبعين أو كلمة في تكون زائدة وسبعين هو المفعول ، ومثله قوله : وفي الرحمن للضعفاء كاف ، أي : الرحمن كاف ، وقال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وأهل المعاني يسمونها بفي التجريدية ، وقد يجاب أيضا بأن من ليس بيانا بل ابتدائية ، أي : بعث من جهتهم ، أو بعث بعثا يساويهم بنو سليم ، انتهى . قلت : هذا كله تعسف ، أما النصب بنزع الخافض فهو خلاف الأصل وإن كان موجودا في الكلام ، وأما حذف المفعول فشائع ذائع لكن لا بد من نكتة فيه ، وأما القول بزيادة كلمة في فغير صحيح ، والذي أجازه خصه بالضرورة ولا ضرورة هاهنا ، وأما تمثيله بقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                  وفي الرحمن للضعفاء كاف

                                                                                                                                                                                  فلا يتم لأنه من باب الضرورة ، على أنه يمكن أن يقال : إن كاف بمعنى كفاية ، لأن وزن كاف في الأصل فاعل ، ويأتي بمعنى المصدر ، كما في قوله تعالى : ليس لوقعتها كاذبة أي : تكذب ، فإن كاذبة على وزن فاعلة ، وهو بمعنى المصدر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في سبعين رجلا " ، قال التوربشتي : كانوا من أوراع الناس ، ينزلون الصفة يتعلمون القرآن ، وكانوا ردأ للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام ، فلما نزلوا بئر معونة ، بفتح الميم وبالنون ، قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من بني سليم ، وهم رعل وذكوان وعصية ، فقتلوهم . قلت : كانت سرية بئر معونة في صفر من سنة أربع من الهجرة ، وأغرب مكحول حيث قال : إنها كانت بعد الخندق . وقال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد بقية شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد ، قال موسى بن عقبة : وكان أمير القوم المنذر بن عمرو ، ويقال : مرثد بن أبي مرثد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " خالي " هو حرام ، ضد حلال ، ابن ملحان . قوله : " وإلا " أي : وإن لم يؤمنوا . قوله : " فبينما يحدثهم " أي : يحدث بني سليم . قوله : " إذ " جواب بينما . قوله : " أومئوا " أي : أشاروا . قوله : " فأنفذه بالفاء والذال المعجمة من نفذ السهم من الرمية ، قوله : " إلا رجل أعرج " ويروى " رجلا " بالنصب ، وقال الكرماني : وفي بعض الروايات كتب بدون الألف على اللغة الربيعية . قوله : " قال همام " وهو من رواة الحديث المذكور في سنده . قوله : " فأراه " أي : أظنه ، ويروى بالواو ، وأراه . قوله : " فكنا نقرأ أن بلغوا " [ ص: 99 ] إلى آخره ، أنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم في حقهم هذا ثم نسخ بعد ذلك . قوله : " فدعا " أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليهم أربعين صباحا في القنوت . قوله : " على رعل " بدل من " عليهم " بإعادة العامل ، كقوله تعالى : للذين استضعفوا لمن آمن منهم ورعل بكسر الراء وسكون العين المهملة . وذكوان ، بفتح الذال المعجمة وإسكان الكاف . وعصية ، بضم العين المهملة وفتح الصاد المهملة وتشديد الياء آخر الحروف .

                                                                                                                                                                                  ومما يستفاد منه جواز الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم والإعلان باسمهم والتصريح بذكرهم ، وجاء من حديث أنس في باب قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا " أنه دعا عليهم ثلاثين صباحا " ، وهنا " فدعا عليهم أربعين صباحا " ، وفي المستدرك " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين يوما " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية