الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5094 36 - حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم أنه سأل سهلا: هل رأيتم في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - النقي؟ قال: لا، فقلت: هل كنتم تنخلون الشعير؟ قال: لا ولكن كنا ننفخه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "كنا ننفخه" وأبو غسان هو محمد بن مطرف الليثي، وأبو حازم هذا هو سلمة بن دينار لا سلمان الأشجعي، وكلاهما تابعيان وسهل هو ابن سعد الأنصاري، والحديث من أفراده.

                                                                                                                                                                                  قوله: "النقي" بفتح النون وكسر القاف، وهو الخبز الحواري الأبيض، وهو الذي ينخل دقيقه بعد الطحن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هل كنتم تنخلون الشعير" أي: بعد طحنه، وقال بعضهم في زمن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أظن أنه احترز عما قبل البعثة; لكونه - عليه السلام - كان مسافرا في تلك المدة إلى الشام تاجرا، وكانت الشام إذ ذاك مع الروم والخبز النقي عندهم كثير، وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه، فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم، فأما بعد البعثة فلم يكن إلا بمكة والطائف والمدينة، ووصل إلى تبوك وهي من أطراف الشام ولكنه لم يفتحها، ولا طالت إقامته بها، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا الذي قاله هذا القائل فيه نظر من وجوه:

                                                                                                                                                                                  الأول: في قوله: كان مسافرا في تلك المدة تاجرا، ولم يكن تاجرا; لأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج أولا إلى ناحية الشام مع عمه أبي طالب، وكان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام، قاله الواقدي، وقال الطبري: كان له تسع سنين والأول أصح، وفيه وقعت قصة بحيرى الراهب، وخرج في المرة الثانية في سنة خمس وعشرين من مولده مع غلام خديجة بنت خويلد استأجرته خديجة على أربع بكرات وخرج في مالها، ولم يكن له شيء، وفي المرتين لم يتعد بصرى، ولم يمكث إلا قليلا.

                                                                                                                                                                                  الثاني: أن قوله: "فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم" غير مسلم; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخالط الروم هناك ولا جالسهم ولا واكلهم، فمن أين أنه وقف على الأخباز النقية البيضاء؟! ومن أين رأى المناخل ونحوها حتى يجزم بذلك بقوله: "ولا ريب أنه رأى ذلك"؟!

                                                                                                                                                                                  الثالث: أن قوله: "فأما بعد البعثة"... إلى آخره، لا يستلزم عدم رؤيته المنخل نفي سماعه بالمنخل; إذ المنخل كان موجودا عندهم، والدليل عليه قول أبي حازم لسهل بن سعد: هل كنتم تنخلون الشعير؟ غاية ما في الباب أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن رأى المنخل لعدم طلبه إياه لأجل اكتفائه بمجرد النفخ بعد الطحن، سواء كان شعيرا أو قمحا، ولكن لما كان غالب قوتهم شعيرا سأل أبو حازم عن نخل الشعير.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية