الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5421 68 - حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "ولا طيرة".

                                                                                                                                                                                  وعبد الله بن محمد الجعفي المسندي، وعثمان بن عمر بن فارس البصري، ويونس بن يزيد، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء، عن محمد بن المثنى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا عدوى" أي: لا تعدية للمرض من صاحبه إلى غيره، وقد مر الكلام فيه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا طيرة " قد فسرناها الآن، قال ابن العربي: اختلفوا في تأويل قوله: "لا طيرة" فمنهم من قال: معناه الإخبار عما يعتقده الجاهلية، وقيل: معناه الإخبار عن حكم الله الثابت في الدار والمرأة والفرس بأن الشؤم فيها عادة، أجراها الله تعالى وقضاه أنفذه يوجده حيث شاء منها متى شاء، والأول ساقط; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث ليخبر عن الناس ما كانوا يعتقدونه، وإنما بعث ليعلم الناس ما يلزمهم أن يعملوه ويعتقدوه، وأصل الطيرة أنهم كانوا ينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في حوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن ذلك وتشاءموا بها، فأبطله الشرع وأخبر بأنه لا تأثير له في نفع أو ضرر، ويقال: إنهم كانوا يعتمدون في الجاهلية على الطير، فإذا كان لأحدهم أمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وكانوا يسمونه السانح والبارح، فالسانح بسين مهملة ثم نون مكسورة وبحاء مهملة، وهو ما والاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بباء موحدة وراء مكسورة ثم حاء مهملة هو بعكس ذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والشؤم في ثلاث" أي: في ثلاثة أشياء، هذا معارض في الظاهر لقوله: "لا طيرة" ودفع الخطابي هذه المعارضة حيث قال: هذا عام مخصوص; إذ هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها، إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس كذلك، فليفارقهن، وقيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جارها، وشؤم المرأة سلاطة لسانها وعدم ولادتها، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وقال مالك: هو على ظاهره، فإن الدار قد يجعل الله سكناها سببا للضرر، وكذا المرأة المعينة أو الفرس قد يحصل الضرر عنده بقضاء الله تعالى، وقال ابن الجوزي: قوله: "الشؤم في ثلاث" ولم يقل فيه "إن" وفي رواية أخرى: "إن كان الشؤم في شيء" وفي أخرى: "إن كان في شيء ففي كذا وكذا" فكيف يجمع بين هذه وبين قوله: "لا طيرة"؟

                                                                                                                                                                                  الجواب أن عائشة - رضي الله عنها - قد غلظت على من روى هذا الحديث وقالت: إنما كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة، قال: وهذا رد لصريح خبر رواته ثقات، والصحيح أن المعنى: إن خيف من شيء أن يكون سببا لما يخاف شره ويتشاءم به فهذه الأشياء، لا على السبيل الذي يظنها أهل الجاهلية من الطيرة والعدوى، وقال الخطابي: لما كان الإنسان لا يستغني عن هذه الأشياء الدار والفرس والزوجة، وكن لا يسلمن من عارض مكروه، فأضيف إليها الشؤم إضافة محل، وقال ابن التين: الشؤم مهموز، ويسمى كل محذور ومكروه شؤما ومشأمة والشؤمى الجهة اليسرى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية