الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5461 16 - حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصبعه هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "ويقول بإصبعه هكذا في جيبه" وتمام الكلام مر آنفا.

                                                                                                                                                                                  وعبد الله بن محمد هو المسندي، وأبو عامر عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف، وإبراهيم بن نافع المخزومي، والحسن هو ابن مسلم بن يناق المكي.

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مر في الزكاة في (باب: مثل المتصدق والبخيل) فإنه أخرجه هناك من طريقين، وأخرجه أيضا في الجهاد عن موسى بن إسماعيل.

                                                                                                                                                                                  "مثل البخيل والمتصدق" شبههما برجلين أراد كل منهما أن يلبس درعا، فجعل مثل المنفق مثل من لبسها سابغة، فاسترسلت عليه [ ص: 303 ] حتى سترت جميع بدنه وزيادة، ومثل البخيل كرجل يده مغلولة إلى عنقه ملازمة لترقوته، وصارت الدرع ثقلا ووبالا عليه لا يتسع، بل تنزوي عليه من غير وقاية له.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عليهما جبتان" بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة، تثنية جبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلى ثديهما" بضم الثاء المثلثة وكسر الدال المهملة جمع ثدي، والثدي يذكر ويؤنث، وهو للمرأة والرجل، والجمع أثد وثدي على فعول، وثدي أيضا بكسر الثاء لما بعدها من الكسر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وتراقيهما" تثنية ترقوة بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الراء وضم القاف، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حتى تغشى" أي: حتى تغطي أنامله وهي رؤوس الأصابع، واحدها أنملة، وفيها تسع لغات بتثليث الهمزة مع تثليث الميم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وتعفو أثره" أي: تمحو آثار مشيه لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قلصت" بالقاف والصاد المهملة، أي: تأخرت وانضمت وانزوت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كل حلقة" بسكون اللام، وكذا حلقة الباب والقوم، وجمعها حلق على غير قياس، يعني بفتح اللام، وحكي عن أبي عمرو أن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالفتح، وقال الشيباني: ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا جمع حالق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يقول بإصبعه هكذا في جيبه" بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني وحده: "جبته" بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة بعدها تاء مثناة من فوق، ثم ضمير، والأول أولى لموافقته للترجمة، وكذا في رواية مسلم وعليه اقتصر الحميدي، وفيه دلالة على أن جيبه - صلى الله عليه وسلم - كان في صدره; لأنه لو كان في يده لم تضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلو رأيته" جوابه محذوف، نحو لتعجبت منه، أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يوسعها" أي: يوسع البخيل الجبة التي عليه، يعني: كلما يعالج أن يوسعها فلا تتوسع، بل تزداد ضيقا ولزاما.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية