الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2021 [ ص: 247 ] 78 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا الوليد، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كيلوا طعامكم يبارك لكم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الأمر على وجه الاستحباب في كيل الطعام عند الإنفاق، على ما نذكره في معنى الحديث. وإبراهيم بن موسى بن يزيد أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير، والوليد بن مسلم القرشي الدمشقي، وثور - باسم الحيوان المشهور - ابن يزيد - من الزيادة - الحمصي، وخالد بن معدان - بفتح الميم - الكلاعي - بفتح الكاف وتخفيف اللام وبالعين المهملة - أبو كريب الحمصي، والمقدام - بكسر الميم - ابن معديكرب، أبو يحيى الكندي، نزل الشام، وسكن حمص.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث من أفراد البخاري.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عن ثور" وفي رواية الإسماعيلي "حدثنا ثور".

                                                                                                                                                                                  قوله: "عن خالد بن معدان، عن المقدام" هكذا رواه الوليد وغيره، وروى أبو الربيع الزهراني، عن المقدام بن المبارك: فأدخل بين خالد جبير بن نفير، وهكذا رواه الإسماعيلي، ورواه ابن ماجه. وفي رواية عن خالد، عن المقدام، عن أبي أيوب الأنصاري، فذكره من مسند أبي أيوب، ورجح الدارقطني هذه الزيادة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كيلوا" أمر للجماعة و" يبارك لكم" بالجزم جوابه، ويروى "يبارك لكم فيه" ثم السر في الكيل لأنه يتعرف به ما يقوته وما يستعده، وقال ابن بطال: لأنهم إذا اكتالوا يزيدون في الأكل فلا يبلغ لهم الطعام إلى المدة التي كانوا يقدرونها، وقال عليه الصلاة والسلام: "كيلوا" أي أخرجوا بكيل معلوم إلى المدة التي قدرتم مع ما وضع الله عز وجل من البركة في مد المدينة بدعوته - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو الفرج البغدادي: يشبه أن تكون هذه البركة للتسمية عليه في الكيل.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): هذا يعارضه حديث عائشة "كان عندي شطر شعير فأكلت منه، حتى طال علي فكلته، ففني".

                                                                                                                                                                                  (قلت): كانت تخرج قوتها بغير كيل، وهي متقوتة باليسير، فبورك لها فيه مع بركة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - الباقية عليها وفي بيتها، فلما كالته علمت المدة التي يبلغ إليها عند انقضائها.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): يعارضه أيضا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على حفصة فوجدها تكتال على خادمها، فقال: "لا توكي فيوكي الله عليك".

                                                                                                                                                                                  (قلت): كان ذلك لأنه في معنى الإحصاء على الخادم والتضييق، أما إذا اكتال على معنى معرفة المقادير وما يكفي الإنسان فهو الذي في حديث الباب، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يدخر لأهله قوت سنة، ولم يكن ذاك إلا بعد معرفة الكيل، وقال بعضهم: والذي يظهر لي أن حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشترى، فالبركة تحصل فيه بالكيل؛ لامتثال أمر الشارع، وإذا لم يمتثل الأمر فيه بالاكتيال نزعت منه لشؤم العصيان، وحديث عائشة محمول على أنها كالته للاختبار، فلذلك دخله النقص. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا ليس بظهور، فكيف يقول: حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشترى؟ وهذا غير صحيح; لأن البخاري ترجم على حديث المقدام رضي الله تعالى عنه باستحباب الكيل، والطعام الذي يشترى الكيل فيه واجب، فهذا الظهور الذي أداه إلى أن جعل المستحب واجبا، والواجب مستحبا، وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون معنى قوله: "كيلوا طعامكم" أي إذا ادخرتموه طالبين من الله البركة واثقين بالإجابة، فكان من كاله بعد ذلك إنما يكيله ليتعرف مقداره، فيكون ذلك شكا بالإجابة فيعاقب بسرعة نفاده، ويحتمل أن تكون البركة التي تحصل بالكيل بسبب السلامة من سوء الظن بالخادم; لأنه إذا أخرج بغير حساب قد يفرغ ما يخرجه وهو لا يشعر، فيتهم من يتولى أمره بالأخذ منه، وقد يكون بريئا، فإذا كاله أمن من ذلك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية