[ ص: 527 ] عنهم أن سيظهر أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية. وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني، إلا أن قال: أخف عنا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أديم، ثم مضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
قال فأخبرني ابن شهاب: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقي عروة بن الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الزبير الشأم، فكسا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الزبير ثياب بياض، وسمع المسلمون وأبا بكر بالمدينة مخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه، حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك، فلبث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهيل غلامين يتيمين في حجر وسهل فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين بركت به راحلته: "هذا إن شاء الله المنزل". ثم دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينقل معهم اللبن في بنيانه، ويقول وهو ينقل اللبن: أسعد بن زرارة،
[ ص: 528 ]
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر"
ويقول:
اللهم إن الأجر أجر الآخره فارحم الأنصار والمهاجره "
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي. قال قال ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت. [فتح: 7 \ 238] ابن شهاب: