5644 - حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ابن جريج ، عن ، عن أبي الزبير ، جابر . في الرجل يبتاع المبيع ، فيبيعه قبل أن يقبضه ، قال : أكرهه
فهذا - رضي الله عنه - قد سوى بين الأشياء المبيعة في ذلك ، وقد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصده بالنهي عن البيع فيه حتى يقبض إلى الطعام بعينه ، فدل ذلك النهي على ما قد تقدم وصفنا له . جابر
فإن قال قائل : فكيف قصد بالنهي في ذلك إلى الطعام بعينه ، ولم يعم الأشياء ؟
[ ص: 40 ] قيل له : قد وجدنا مثل هذا في القرآن ، قال الله - عز وجل - : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فأوجب عليه الجزاء المذكور في الآية .
ولم يختلف أهل العلم في قاتل الصيد خطأ ، أن عليه مثل ذلك ، وأن ذكره العمد لا ينفي الخطأ .
فكذلك ذكره الطعام في النهي عن بيعه قبل القبض ، لا ينفي غير الطعام .
وقد رأينا الطعام يجوز السلم فيه ، ولا يجوز السلم في العروض ، وكان الطعام أوسع أمرا في البيوع من غير الطعام ؛ لأن الطعام يجوز السلم فيه ، وإن لم يكن عند المسلم إليه ، ولا يكون ذلك في غيره .
فلما كان الطعام أوسع أمرا في البيوع وأكثر جوازا ، ورأيناه قد نهى عن بيعه حتى يقبض ، كان ذلك فيما لا يجوز السلم فيه أحرى أن لا يجوز بيعه حتى يقبض .
فقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنهي إلى الذي إذا نهي عنه ، دل نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنه على نهيه عن غيره ، وأغناه ذكره له عن ذكره لغيره ، فقام ذلك مقام النهي ، لو عم به الأشياء كلها .
ولو قصد بالنهي إلى غير الطعام ، أشكل حكم الطعام في ذلك على السامع ، فلم يدر ، هل هو كذلك أم لا ؟ لأنه يجد الطعام يجوز السلم فيه ، وليس هو بقائم حينئذ ، وليس يجوز ذلك في العروض ، فيقول كما خالف الطعام العروض في جواز السلم فيه ، وليس عند المسلم إليه ، وليس ذلك في العروض ، فكذلك يحتمل أن يكون مخالفا له في جواز بيعه قبل أن يقبض ، وإن كان ذلك غير جائز في العروض .
فهذا هو المعنى الذي له قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام خاصة .
وفي ذلك حجة أخرى ، وذلك أن المعنى الذي حرم به على مشتري الطعام بيعه قبل قبضه ، هو أن لا يطيب له ربح ما في ضمان غيره ، فإذا قبضه ، صار في ضمانه ، فطاب له ربحه فجاز أن يبيعه حيث أحب .
والعروض المبيعة ، هذا المعنى بعينه موجود فيها ، وذلك أن الربح فيها قبل قبضها ، غير حلال لمبتاعها ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قد نهى عن ربح ما لم يضمن .
فكما كان ذلك قد دخل فيه الطعام وغير الطعام ، ولم يكن الربح يطيب لأحد إلا بتقدم ضمانه ، لما كان عنه ذلك الربح .
فكذلك الأشياء المبيعة كلها ، ما كان منها يطيب الربح فيه لبائعه ، فحلال له بيعه ، وما كان منها يحرم الربح فيه على بائعه ، فحرام عليه بيعه .
وقد جاءت أيضا آثار أخر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن بيع ما لم يقبض ، لم يقصد فيها إلى الطعام ولا إلى غيره .