الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7075 - حدثنا علي بن زيد ، قال : ثنا موسى بن داود ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن مع صاحب البلاء ، تواضعا لربك ، وإيمانا .

                                                        فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم العدوى ، في هذه الآثار التي ذكرناها ، وقد قال : فمن أعدى الأول .

                                                        أي : لو كان إنما أصاب الثاني لما أعداه الأول ، إذا لما أصاب الأول شيء ، لأنه لم يكن معه ما يعديه .

                                                        ولكنه لما كان ما أصاب الأول ، إنما كان بقدر الله عز وجل ، كان ما أصاب الثاني ، كذلك .

                                                        فإن قال قائل : فنجعل هذا مضادا ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يورد ممرض على مصح " كما جعله أبو هريرة .

                                                        قلت : لا ، ولكن يجعل قوله : " لا عدوى " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم نفي العدوى أن يكون أبدا ، ويجعل قوله : " لا يورد ممرض على مصح " على الخوف منه أن يورد عليه فيصيبه بقدر الله ما أصاب الأول ، فيقول الناس : أعداه الأول .

                                                        فكره إيراد المصح على الممرض ، خوف هذا القول .

                                                        وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار أيضا وضعه يد المجذوم في القصعة .

                                                        فدل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على نفي الإعداء ، لأنه لو كان الإعداء مما يجوز أن يكون ، إذا لما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يخاف ذلك منه ، لأن في ذلك جر التلف إليه ، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال : ولا تقتلوا أنفسكم ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدف مائل فأسرع ، فإذا كان يسرع من الهدف المائل ، مخافة الموت ، فكيف يجوز عليه أن يفعل ما يخاف منه الإعداء ؟ ، وقد ذكرت فيما تقدم من هذا الباب أيضا ، معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون ، في نهيه عن الهبوط عليه ، وفي نهيه عن الخروج منه ، وأن نهيه عن الهبوط عليه خوفا أن يكون قد سبق في علم الله عز وجل أنهم إذا هبطوا عليه أصابهم فيهبطون فيصيبهم فيقولون : أصابنا ، لأنا هبطنا عليه ، ولولا أنا هبطنا عليه لما أصابنا ، وأن نهيه عن الخروج منه ، لئلا يخرج فيسلم ، فيقول : سلمت لأني خرجت ، ولولا أني خرجت ، لم أسلم .

                                                        فلما كان النهي عن الخروج عن الطاعون ، وعن الهبوط عليه ، بمعنى واحد ، وهو الطيرة ، لا الإعداء ، كان كذلك قوله : لا يورد ممرض على مصح هو الطيرة أيضا ، لا الإعداء .

                                                        فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه كلها ، عن الأسباب التي من أجلها يتطيرون .

                                                        وفي حديث أسامة الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإذا وقع بأرض وهو بها ، فلا يخرجه الفرار منه ، دليل على أنه لا بأس أن يخرج منها ، لا عن الفرار منه .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية