الباب الثالث : في تقسيم الخبر
القسم الأول : ما يجب تصديقه
تقسيم الخبر إلى ما يجب تصديقه وإلى ما يجب تكذيبه وإلى ما يجب التوقف فيه .
وهي ثلاثة أقسام : القسم الأول :
ما يجب تصديقه ، وهي سبعة :
الأول : وإن لم يدل عليه دليل آخر ، فليس في الأخبار ما يعلم صدقه بمجرد الإخبار إلا المتواتر وما عداه فإنما يعلم صدقه بدليل آخر يدل عليه سوى نفس الخبر . ما أخبر عنه عدد التواتر فإنه يجب تصديقه ضرورة
الثاني : فهو صدق بدليل استحالة الكذب عليه ، ويدل عليه دليلان : ما أخبر الله تعالى عنه
أقواهما : إخبار الرسول عليه السلام عن امتناع الكذب عليه تعالى .
والثاني : أن كلامه تعالى قائم بنفسه ويستحيل التكذب في كلام النفس على من يستحيل عليه الجهل ; إذ الخبر يقوم بالنفس على وفق العلم والجهل على الله تعالى محال .
الثالث : على صدقه مع استحالة إظهار المعجزة على أيدي الكاذبين ; لأن ذلك لو كان ممكنا لعجز الباري عن تصديقه رسله والعجز عليه محال . خبر الرسول عليه السلام ودليل صدقه دلالة المعجزة
الرابع : المعصوم عن الكذب ، وفي معناه كل شخص أخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم عنه بأنه صادق لا يكذب . ما أخبر عنه الأمة إذ ثبت عصمتها بقول الرسول عليه السلام
الخامس : كل خبر يوافق ما أخبر الله تعالى عنه أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الأمة [ ص: 113 ] أو من صدقه هؤلاء أو دل العقل عليه والسمع ، فإنه لو كان كذبا لكان الموافق له كذبا .
السادس لأنه لو كان كذبا لما سكت عنه ولا عن تكذيبه ، ونعني به ما يتعلق بالدين . كل خبر صح أنه ذكره المخبر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمسمع منه ولم يكن غافلا عنه فسكت عليه
السابع : كل خبر ذكر بين يدي جماعة أمسكوا عن تكذيبه والعادة تقضي في مثل ذلك بالتكذيب وامتناع السكوت لو كان كذبا ، وذلك بأن يكون للخبر وقع في نفوسهم وهم عدد يمتنع في مستقر العادة التواطؤ عليهم بحيث ينكتم التواطؤ ولا يتحدثون به . وبمثل هذه الطريقة ثبتت أكثر أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كان ينقل بمشهد جماعات وكانوا يسكتون عن التكذيب مع استحالة السكوت عن التكذيب على مثلهم ، فمهما كمل الشرط وترك النكير كما سبق نزل منزلة قولهم " صدقت " .
فإن قيل لو ادعى واحد أمرا بمشهد جماعة وادعى علمهم به فسكتوا عن تكذيبه فهل يثبت صدقه ؟ قلنا : إن كان ذلك في محل النظر والاجتهاد فلا يثبت صدقه لاحتمال أنهم اعتقدوا عن النظر ما ادعاه ، وإن كان يسنده إلى مشاهدة وكانوا عددا يستحيل عليهم الدخول تحت داع واحد فالسكوت عن تكذيبه تصديق من جهتهم . فإن قيل : وهل يدل على الصدق تواتر الخبر عن جماعة لا يجوز على مثلهم التواطؤ على الكذب قصدا ولا التوافق على اتفاق ؟ قلنا : أحال رحمه الله ذلك وقال : قولهم يورث العلم ضرورة إن بلغوا عدد التواتر في علم الله ، فإن لم يورث العلم الضروري دل على نقصان العدد ، ولا يجوز الاستدلال على صدقهم بالنظر في أحوالهم بل نعلم قطعا كذبهم أو اشتمالهم على كاذب أو متوهم . القاضي
وهذا على مذهبه إن لم ينظر إلى القرائن لازم ، أما من نظر إلى القرائن فلا يبعد أن يعلم صدقهم بنوع من النظر . فإن قيل : خبر الواحد الذي عمل به الأمة هل يجب تصديقه ؟ قلنا : إن عملوا على وفقه فلعلهم عملوا عن دليل آخر وإن عملوا به أيضا فقد أمروا بالعمل بخبر الواحد وإن لم يعرفوا صدقه ، فلا يلزم الحكم بصدقه . فإن قيل لو قدر الراوي كاذبا لكان عمل الأمة بالباطل ، وهو خطأ ولا يجوز ذلك على الأمة .
قلنا : الأمة ما تعبدوا إلا بالعمل بخبر يغلب على الظن صدقهم فيه ، وقد غلب على ظنهم ، كالقاضي إذا قضى بشهادة عدلين فلا يكون مخطئا وإن كان الشاهد كاذبا بل يكون محقا لأنه لم يؤمر إلا به .