مسألة : الإجماع لا ينسخ به . إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي وما نسخ بالإجماع فالإجماع يدل على ناسخ قد سبق في زمان نزول الوحي من كتاب أو سنة . أما السنة فينسخ المتواتر منها بالمتواتر والآحاد بالآحاد ، أما الإجماع لا ينسخ به فاختلفوا في وقوعه سمعا وجوازه عقلا ، فقال قوم : وقع ذلك سمعا ، فإن أهل نسخ المتواتر منها بالآحاد مسجد قباء تحولوا إلى الكعبة بقول واحد أخبرهم وكان ذلك ثابتا بطريق قاطع فقبلوا نسخه عن الواحد والمختار جواز ذلك عقلا لو تعبد به ووقوعه سمعا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قصة قباء ، وبدليل أنه كان ينفذ آحاد الولاة إلى الأطراف وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعا ، ولكن ذلك ممتنع بعد وفاته بدليل الإجماع من الصحابة على أن القرآن والمتواتر المعلوم لا يرفع بخبر الواحد ، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف ، والعمل بخبر الواحد تلقي من الصحابة وذلك فيما لا يرفع قاطعا ، بل ذهبالخوارج إلى منع حتى إنهم قالوا رجم نسخ القرآن بالخبر المتواتر ماعز وإن كان متواترا لا يصلح لنسخ القرآن وقال رحمه الله : لا يجوز نسخ القرآن بالسنة وإن تواترت ، وليس ذلك بمحال ; لأنه يصح أن يقال : تعبدناكم بالنسخ بخبر الواحد في زمان نزول الوحي وحرمنا ذلك بعده . الشافعي
فإن قيل : كيف يجوز ذلك عقلا وهو رفع القاطع بالظن ؟ وأما حديث قباء فلعله انضم إليه من القرائن ما أورث العلم . قلنا تقدير قرائن معرفة توجب إبطال أخبار الآحاد وحمل عمل الصحابة على المعرفة بالقرائن ولا سبيل إلى وضع ما لم ينقل ، وأما قولهم : إنه رفع للقاطع بالظن فباطل ; إذ لو كان كذلك لقطعنا بكذب الناقل ، ولسنا نقطع به بل نجوز صدقه ، وإنما هو مقطوع به بشرط أن لا يرد خبر نسخه ، كما أن البراءة الأصلية مقطوع بها وترتفع بخبر الواحد لأنها تفيد القطع بشرط عدم خبر الواحد .
فإن قيل : بم تنكرون على من يقطع بكونه كاذبا لأن الرسول عليه السلام أشاع الحكم فلو ثبت نسخه للزمه الإشاعة ؟ قلنا ولم يستحيل أن يشيع الحكم ويكل النسخ إلى الآحاد كما يشيع العموم ويكل التخصيص إلى المخصص ؟