[ ص: 139 ] فصل . ] شروط مفهوم المخالفة العائدة إلى المسكوت عنه
للقول بمفهوم المخالفة شروط : منها ما يرجع للمسكوت عنه ، ومنها ما يرجع للمذكور . فمن الأول أن لا يكون المسكوت عنه أولى بذلك الحكم من المنطوق ، فإن كان أولى منه كان مفهوم موافقة ، أو مساويا كان قياسا جليا على الخلاف السابق .
ومنها : أن لا يعارض بما يقتضي خلافه ، فيجوز تركه بنص يضاده وبفحوى مقطوع به يعارضه ، كفهم مشاركة الأمة العبد في سراية العتق ، فأما القياس فلم يجوز القاضي ترك المفهوم به مع تجويزه ترك العموم بالقياس ، هكذا نقله في " المنخول " . قال : ولعله قريب مما اخترناه في المفهوم ، فإنه تلقاء الظاهر ، والعموم قد لا يترك بالقياس ، بل يجتهد الناظر في ترجيح أحد الظنين منهما على الآخر ، وكذلك القول في القياس إذا عارضه العموم . ا هـ . والذي نقله الإمام عن القاضي التوقف في تجويز . تخصيص العموم بالقياس
وقال صاحب " الكبريت الأحمر " : القول بالمفهوم عند تجرده عن القرائن ، أما إذا اقترن بظاهر الخطاب قرينة ، فإنه لا يكون لدلالة الخطاب حكم بالإجماع . وقال شارح " اللمع " : دليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه ، كالنص والتنبيه ، فإن عارضه أحد هؤلاء [ ص: 140 ] سقط ، وإن عارضه عموم صح التعلق بدليل الخطاب على الأصح . وإن عارضه قياس جلي قدم القياس . وأما الخفي فإن جعلناه كالنطق قدم دليل الخطاب ، وإن جعلناه كالقياس ، فقد رأيت بعض أصحابنا يقدمون كثيرا القياس في كتب الخلاف ، والذي يقتضيه المذهب أنهما يتعارضان .
قلت : وما صححه في معارضة العموم هي مسألة تخصيص العموم بالمفهوم ، لكن كلام في " ; الشافعي " يخالفه ، فإنه قال : البويطي ضمنه ، والحجة في ذلك قوله تعالى : { وإذا قتل الرجل صيدا عمدا أو خطأ ومن قتله منكم متعمدا } والحجة في الخطأ قوله : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } . فدخل في هذا العمد والخطأ . ا هـ . فقد قدم هذا العموم على مفهوم قوله : متعمدا . ومن الفوائد ما نقله وغيره عن الخطابي : الحسن البصري ، وهو شاهد لكن شبهته قوية . فإن مفهوم قوله تعالى : { لا يقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالأنثى } . لا يعارض بالعموم الذي في قوله : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } . لأن هذا خطاب وارد في غير شريعتنا ، وهي مسألة مختلف فيها . وما قاله في القياس الجلي فيه نظر ، لأن القياس عموم معنوي ، وإذا ثبت تقديم المفهوم على العموم اللفظي فتقديمه على المعنوي أولى . ويكون خروج صور المفهوم من مقتضى القياس كخروجها من مقتضى لفظ العموم . ومنه حاجة المخاطب ، كقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } فذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه إذ هو الحامل لهم على قتلهم ، لا لاختصاص الحكم به ، ونظيره : { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } .