واعلم أنهم اختلفوا في فقيل : لا يفيد أصلا . واحتج له بقوله : { المبتدأ إذا كان معرفة ، والخبر نكرة ، هل يفيد الحصر ؟ } ، فإنه لا يمتنع أن يكون غيره كذلك . وقد ثبت قوله { الصيام جنة } . وقيل : يفيده ثم اختلفوا فليتق النار ولو بشق تمرة ؟ على قولين : فقيل : إنه بالمفهوم ، ونقله هل يفيده من جهة المنطوق أو المفهوم ابن القشيري عن الحنفية . قال : ولهذا لم يقبلوه .
قال : وعندنا أنه ليس من قبيل المفهوم المتلقى من تخصيص الشيء بالذكر . ومن قال : زيد صديقي لم يتضمن نفي الصداقة عن غيره ، فلو قال : صديقي زيد اقتضاه . قال : ولا يبعد ادعاء إجماع أهل اللسان عليه ، [ ص: 188 ] لأنه غير نظم الكلام ، فدل على قصد الاهتمام وحصر الصداقة فيه ، وهو تابع لإمام الحرمين .
وكذلك اختار الغزالي أنه منطوق ، وجعله دون " إنما " في القوة ، وكذلك إلكيا ، وقال : إن تلقي الحصر فيه مأخوذ من حيث اللفظ ، فجعل جنس التحريم محصورا في المسكر . والصداقة مبتدأ ، والمبتدأ لا بد أن يكون معلوما للمخاطب وضعا ، والصداقة لا تعرف إلا بصرفها إلى الجنس ، فكأنه قال : جنس الصداقة محصور في زيد . ولو قال : زيد صديقي ، لا يفهم منه أنه لا صديق سواه ، لأنه جعل الصداقة خبرا ، ولم يجعلها مبتدأ ، فلم يعرفه المخاطب . قال : ويتلقى الحصر من فحوى اللفظ ، ونظم الكلام . قال : ولهذا قال : إن تلقي المفهوم من الفحوى لا يسقط ، لظهور فائدة التخصيص من جهة موافقة العادة أو السؤال حتى يجوز الاحتجاج بقوله تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } في نفي الحكم حالة المصافاة . قال : فيرجع حاصل نظر الإمام إلى أن التخصيص لا يدل على المخالفة في هذه الصورة وغيرها ، ولكن حكم المخالفة يتلقى من الفحوى ، فهو يدل بالمنطوق لا بالمفهوم . ا هـ .