القول في أحكام المحارم قال الأصحاب : من حرم نكاحها على التأبيد ، بنسب أو بسبب مباح لحرمتها فخرج بالأول : ولد العمومة ، والخؤولة . وبقولنا " على التأبيد " أخت الزوجة وعمتها ، وخالتها . وبقولنا " بسبب مباح " أم الموطوءة بشبهة ، وبنتها ، فإنها محرمة النكاح ، وليست محرما ; إذ وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة . وبقولنا " لحرمتها " الملاعنة فإنها حرمت تغليظا عليه والأحكام التي للمحرم مطلقا ، سواء كان من نسب أو رضاع ، أو مصاهرة : [ ص: 262 ] تحريم المحرم . النكاح وجواز النظر ، والخلوة ، والمسافرة ، وعدم نقض الوضوء
أما تحريم النكاح فلا يشاركه فيه على التأبيد إلا الملائكة ، وسائر المحرمات ، فليست على التأبيد ، فأخت الزوجة ، وعمتها ، وخالتها : تحل بمفارقتها ، والأمة : تحل إذا عتقت ، أو أعسر . . والمطلقة ثلاثا : تحل إذا نكحت زوجا غيره . والمجوسية : تحل إذا أسلمت
وأما وجهان صحح جواز النظر فهل يشاركه فيه العبد ؟ الرافعي منهما : الجواز ووافقه النووي في المنهاج . وقال في الروضة من زوائده : فيه نظر وصحح في مجموع له على المهذب : التحريم . وبالغ فيه ، وعبارته : هذه المسألة مما تعم بها البلوى . ويكثر الاحتياج إليها ، والخلاف فيها مشهور . والصحيح عند أكثر أصحابنا : أنه محرم لها ، كما نص عليه . ونقل عن جماعة تصحيحه . الشافعي
وقال : الصحيح عند أصحابنا أن لا يكون محرما لها . لأن الحرمة إنما تثبت بين الشخصين لم تخلق بينهما شهوة ، كالأخ ، والأخت ، وغيرهما . وأما العبد ، وسيدته : فشخصان خلقت بينهما الشهوة . قال : وأما الآية ، وهي قوله تعالى { الشيخ أبو حامد أو ما ملكت أيمانهن } فقال أهل التفسير فيها : المراد بها : الإماء دون العبيد .
وأما الخبر : وهو ما رواه أبو داود عن والبيهقي { أنس بعبد ، وقد وهبه لها ، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها ، لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال : إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك ، وغلامك فاطمة } فيحتمل أن يكون الغلام صغيرا . أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى
قال : وهذا الذي صححه الشيخ : هو الصواب ، بل لا ينبغي أن يجري فيه خلاف بل يقطع بتحريمه ، وكيف يفتح هذا الباب للنسوة الفاسقات ؟ مع حسان المماليك ، الذين الغالب من أحوالهم الفسق ، بل العدالة فيهم في غاية القلة ؟ وكيف يستجيز الإنسان الإفتاء بأن هذا المملوك يبيت ويقيل مع سيدته ، مكررا ذلك ، مع ما هما عليه من التقصير في الدين ؟ أبو حامد
وكل منصف يقطع بأن أصول الشريعة تستقبح هذا وتحرمه أشد تحريم . [ ص: 263 ] ثم القول بأنه محرم : ليس له دليل ظاهر ، فإن الصواب في الآية أنها في الإماء ، والخبر محمول على أنه كان صغيرا . انتهى كلام النووي . وقد اختار التحريم أيضا : السبكي في تكملة شرح المهذب . وفي الحلبيات . وقال : إن تأويل الحديث على أنه كان صغيرا جدا ، لا سيما والغلام في اللغة إنما يطلق على الصبي . وهي واقعة حال ، ولم يعلم بلوغه ، فلا حجة فيها للجواز .
ولم يحصل مع ذلك خلوة ، ولا معرفة ما حصل النظر إليه ، وإنما فيه نفي البأس عن تلك الحالة التي علمت حقيقتها . ولم تجد ما يحصل به كمال الستر الذي قصدته . وغايته : التعليل باسم الغلام ، وهو اسم للصبي ، أو محتمل له ، والاحتمال في وقائع الأحوال يسقط الاستدلال . انتهى . واختاره أيضا فاطمة الأذرعي وغيره من المتأخرين ، وأفتيت به مرات . ولا أعتقد سواه .
وأما الخلوة ، والمسافرة ، فالعبد فيهما مبني على النظر إن شاركه المحرم فيه شاركه فيهما ، وإلا فلا . ويشاركه الزوج فيهما لا محالة . بل يزيد في النظر ، ويكتفى في سفر حج الفرض بنسوة ثقات ، على ما سيأتي تحريره ، في أحكام السفر وأما عدم نقض الوضوء فلا يشاركه فيه غيره .