فصل في تعارض العرف مع اللغة
حكى صاحب الكافي وجهين في المقدم أحدهما - وإليه ذهب القاضي حسين - : الحقيقة اللفظية عملا بالوضع اللغوي .
[ ص: 94 ] والثاني - وعليه البغوي - : الدلالة العرفية لأن العرف يحكم في التصرفات سيما في الأيمان . قال : فلو دخل دار صديقه ، فقدم إليه طعاما فامتنع . فقال إن لم تأكل فامرأتي طالق فخرج ولم يأكل ، ثم قدم اليوم الثاني ، فقدم إليه ذلك الطعام فأكل فعلى الأول لا يحنث ، وعلى الثاني يحنث ، انتهى .
وقال الرافعي في الطلاق : إن تطابق العرف والوضع فذاك . وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى الوضع ، والإمام والغزالي يريان اعتبار العرف . وقال في الأيمان ما معناه إن عمت اللغة قدمت على العرف .
وقال غيره : إن كان العرف ليس له في اللغة وجه ألبتة ، فالمعتبر اللغة ، وإن كان له فيه استعمال ، ففيه خلاف وإن هجرت اللغة حتى صارت نسيا منسيا ، قدم العرف .
ومن الفروع المخرجة على ذلك : حلف لا يسكن بيتا ، فإن كان بدويا حنث بالمبني وغيره لأنه قد تظاهر فيه العرف الكل واللغة لأن يسمونه بيتا ، وإن كان من أهل القرى : فوجهان ، بناء على الأصل المذكور إن اعتبرنا العرف لم يحنث والأصح الحنث .
ومنها : حلف لا يشرب ماء حنث بالمالح ، وإن لم يعتد شربه ، اعتبارا بالإطلاق ، والاستعمال اللغوي .
ومنها : حلف لا يأكل الخبز حنث بخبز الأرز ، وإن كان من قوم لا يتعارفون ذلك لإطلاق الاسم عليه لغة .
ومنها : قال أعطوه بعيرا ، لا يعطى ناقة على المنصوص ، وقال ابن شريح : نعم لاندراجه فيها لغة . ومنها ، قال أعطوه دابة ، أعطي فرسا أو بغلا أو حمارا على المنصوص ، لا الإبل والبقر ; إذ لا يطلق عليها عرفا وإن كان يطلق عليه لغة ، وقال ابن شريح : إن كان ذلك في غير مصر لم يدفع إليه إلا الفرس .
ومنها : حلف لا يأكل البيض أو الرءوس ; لم يحنث ببيض ، السمك والجراد ، ولا برءوس العصافير والحيتان لعدم إطلاقها عليها عرفا .
ومنها قال : زوجتي طالق ، لم تطلق سائر زوجاته عملا بالعرف وإن كان وضع اللغة يقتضي ذلك ; لأن اسم الجنس إذا أضيف عم ، وكذلك قوله : الطلاق يلزمني لا يحمل على الثلاث وإن كانت الألف واللام للعموم .
ومنها : أوصى للقراء ، فهل يدخل من لا يحفظ ويقرأ في المصحف ، أو لا ؟ وجهان ينظر في أحدهما إلى الوضع ، وفي الثاني إلى العرف وهو الأظهر .
ومنها : أوصى للفقهاء فهل يدخل الخلافيون والمناظرون . قال في الكافي : يحتمل وجهين لتعارض العرف والحقيقة .


