المطلب الرابع: الوصية للجهة
المراد بها كل مؤسسة ذات منفعة دينية، أو دنيوية كالمسجد، والقنطرة، والملجأ، ونحو ذلك.
وفيها مسائل:
المسألة الأولى: حكم الوصية للجهة:
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الوصية للجهة على قولين:
القول الأول: أنها صحيحة.
وهو قول ، محمد بن الحسن والمالكية ، والأصح عند الشافعية ، وقول الحنابلة .
القول الثاني: أنها باطلة.
وبه قال بعض المالكية .
القول الثالث: إن أوصى لعمارتها فصحيحة، وإن أوصى لها مباشرة فباطلة.
[ ص: 467 ] وبه قال من أبو يوسف الحنفية ، ووجه عند الشافعية .
الأدلة:
أدلة الرأي الأول: (الصحة):
استدل لهذا الرأي بما يلي:
1 - عمومات أدلة الوصية.
2 - أن المقصود بالوصية لهذه الجهات أهلها المستفيدون منها، فالوصية لها وصية لهم، وهم من أهل للملك والتملك.
3 - أن الجهة ذات شخصية معنوية صالحة للامتلاك والتملك.
أدلة القول الثاني: (البطلان):
أن الوصية تمليك، وهذه الجهات فاقدة أهلية التملك كالدابة.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن تمليك كل شيء بحسبه، وأيضا الأصل المقيس عليه غير مسلم، كما سيأتي.
دليل القول الثالث: أنه في حالة الوصية لها مباشرة ينصرف اللفظ إلى التمليك الذي يدل عليه اللام في قوله: "أوصيت بثلثي للمسجد"، بخلاف الوصية بعمارتها، فإنها لا تقتضي التمليك، بل للإنفاق على عمارتها فيصح.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم -: القول الأول; لقوة دليله، ولأن تمليك كل شيء بحسبه، ولما يترتب على ذلك من المصلحة الكبيرة الدينية والدنيوية.