[ ص: 21 ] القول في قوله تعالى: يا بني آدم قد أنـزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم إلى قوله: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [الآيات: 25- 42].
يا بني آدم قد أنـزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينـزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا.هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين [ ص: 22 ] قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونـزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون .
الأحكام والنسخ:
قوله تعالى: يا بني آدم قد أنـزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ، وقوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد : أمر بستر العورة؛ لأنهم كانوا يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، روي معناه عن ، ابن عباس ، وغيرهما. والحسن
وقوله: قد أنـزلنا عليكم لباسا : يريد: ما يتكون عنه اللباس، وهذا يسمى في كلام العرب: التدريج.
[ ص: 23 ] وقوله: {وريشا}: قال : (الريش): المال، مجاهد : هو ما فيه الجمال. ابن زيد : (اللباس) و (الريش) في اللغة: ما ستر من لباس أو معيشة. وقيل: هو مصدر من (راشه يريشه ريشا). الكسائي
(الريش) و (الرياش): ما ظهر من اللباس والشارة، وقيل: (الرياش): الأثاث، وقيل: هو الخصب ورفاهة العيش، وقيل: [(الرياش) جمع لـ (الريش)]. أبو عبيدة:
ولباس التقوى : قال : يعني: العمل الصالح، وعنه أيضا: السمت الحسن في الوجه. ابن عباس
، وغيره: الإيمان. قتادة
: هو الحياء الذي يكسب التقوى. الحسن
هو الخشية لله عز وجل. عروة بن الزبير:
: هو ستر العورة. ابن زيد
وقيل: هو لبس الصوف، وخشن الثياب؛ تواضعا لله عز وجل، وقيل: هو العفاف، وقيل: هو استشعار تقوى الله عز وجل، فيما أمر به، ونهى عنه.
وقوله: ذلك خير ؛ أي: لباس التقوى خير من الثياب.
واختلف العلماء في بعد إجماعهم على أن [ ص: 24 ] القبل والدبر عورة؛ فأكثرهم على أنه ليس على الرجل فرضا سوى ستر القبل والدبر، وقال حد العورة التي يجب سترها، ، الشافعي ما بين الركبة إلى السرة عورة. وأبو ثور:
فأما المرأة؛ فقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها، [وقال : تغطي في الصلاة كل شيء منها حتى ظفرها]. ابن حنبل
وقال ، الأوزاعي ، والشافعي ليس عليها أن تغطي في الصلاة كفيها ووجهها، وتغطي ما سوى ذلك. وأبو ثور:
وأجمعوا على أنها إن أنها تعيد، وكذلك قال صلت وجميع شعرها مكشوف في انكشاف بعضه، والإعادة عنده أبدا. الشافعي
وقال : إذا انكشف في صلاتها قدماها، أو شعرها، أو صدرها، أو صدور قدميها؛ أعادت في الوقت. مالك
إن صلت وربع شعرها مكشوف، أو ربع فخذها، أو ثلثها، أو ربع بطنها، أو ثلثه؛ فصلاتها منتقضة، وإن انكشف أقل من ذلك؛ لم تنتقض. أبو حنيفة:
إذا انكشف أقل من النصف؛ لم تنتقض الصلاة. أبو يوسف:
إسحاق: إن صلت ورأسها وعورتها مكشوفة، وهي عالمة بذلك؛ أعادت، [ ص: 25 ] فإن علمت بعد الصلاة؛ فلا إعادة عليها.
وقال إذا صلت ورأسها وعورتها مكشوفان؛ أعادت، علمت أو لم تعلم، وهذا كله في الحرة، وقد بسطت ذلك في "الكبير". أبو حنيفة:
وقوله: قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد : قال : أي: استقبلوا القبلة أين كنتم، ولو كنتم في كنيسة. مجاهد
وقيل: المعنى: وإذا أدركتكم [الصلاة في مسجد؛ فصلوا]، ولا يقل أحدكم: لا أصلي إلا في مسجدي.
وقيل: المعنى: اجعلوا سجودكم لله عز وجل، وعطف عليه قوله: {وأقيموا} على المعنى؛ لأن معنى قل أمر ربي بالقسط : قال لكم: أقسطوا.
وتقدم القول في معنى ما ظهر وما بطن من الفواحش.