الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد جعلنا في السماء بروجا : قال الحسن، وقتادة: (البروج): النجوم، وسميت بذلك؛ لظهورها، وارتفاعها، ومنه: (تبرج المرأة): إظهارها زينتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وحفظناها من كل شيطان رجيم أي: من استراق الشياطين السمع، وذلك من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 631 ] إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين : قال ابن عباس: الشهاب يحرق، ولا يقتل، وقال الحسن: يحرق، ويقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وأنبتنا فيها من كل شيء موزون : معنى {موزون} في قول ابن عباس: بقدر معلوم.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وابن زيد: من الأشياء التي توزن.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: ذكر الوزن؛ لأنه أعم من الكيل؛ لأن سائر المكيلات إذا صارت طعاما دخلت في باب الوزن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لأن في الوزن معنى الكيل؛ لأنه طلب مساواة الشيء بالشيء؛ فخص الوزن؛ لاشتماله على الكيل].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين : قال مجاهد: يعني: من الإماء، والعبيد، والدواب، والأنعام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أراد به: الوحش؛ فـ {من} -على هذا- لما لا يعقل، وعلى القول الأول على تغليب من يعقل على ما لا يعقل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم : روي: "أنه ليس عام أكثر مطرا من عام، لكن الله تعالى يقسمه كيف يشاء"؛ فيمطر [ ص: 632 ] قوم، ويحرم آخرون، وربما كان المطر في البحار والقفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وأرسلنا الرياح لواقح أي: تلقح السحاب؛ أي: تلقي إليه ما يحمل به الماء، قاله ابن مسعود، وغيره، وروي نحوه عن ابن عباس، قال: تلقح الريح الشجر والسحاب.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: {لواقح} بمعنى: ملاقح، ذهب إلى أنه جمع (ملقحة)، و (ملقح)، ثم حذفت زوائده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو جمع (لاقحة) و (لاقح) ؛ على معنى: ذات إلقاح، على النسب.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون معنى (لاقح): حاملا، والعرب تقول للجنوب: (لاقح)، و (حامل)، وللشمال: (حائل)، و (عقيم).

                                                                                                                                                                                                                                      قال عبيد بن عمير: يبعث الله تعالى الريح المبشرة؛ فتقم الأرض قما، ثم يبعث المثيرة؛ فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلفة؛ فتؤلفه، ثم يبعث اللقوح؛ فتلقح الشجر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 633 ] وقيل: الريح اللاقح: التي تحمل الندى، فتمجه في السحاب، فإذا اجتمع فيه؛ صار مطرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الريح الجنوب من الجنة، وهي اللواقح التي ذكر الله في كتابه، وفيها منافع للناس".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين : قال مجاهد، وقتادة: أي: من مضى، ومن بقي.

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي: أول الخلق وآخره.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المتقدمين في الطاعة، والمتأخرين عنها.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: يعني: أصحاب الصف الأول، وأصحاب الصف الآخر في الصلاة، قال: وكانت تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة جميلة، فكان قوم يتقدمون إلى القبلة؛ لئلا يروها، وكان قوم يتأخرون، فإذا ركع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وضع أحدهم يديه على ركبتيه، ونظر إليها من تحت ضبعيه، فنزلت الآية في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون يعني: الطين اليابس، عن ابن عباس وغيره، سمي صلصالا؛ لأنه يصلصل؛ أي: يصوت.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 634 ] مجاهد: هو مثل الخزف الذي يصلصل، وعنه أيضا: هو المـــنتن.

                                                                                                                                                                                                                                      وحكى الكسائي، وغيره: (صل اللحم، وأصل) ؛ إذا أنتن، فالأصل على هذا: (صلال)، فأبدل من إحدى اللامين الصاد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الصلصال): التراب المدقق، و (الحمأ): جمع (حمأة) ؛ وهو الطين المتغير إلى السواد، و (المسنون) في قول ابن عباس: الرطب، وعنه أيضا: هو المـــنتن، وقال: خلق الله تعالى آدم من ثلاثة أشياء: من صلصال، ومن طين لازب، ومن حمأ مسنون.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (المسنون): المصبوب، تقول العرب: (سننت الماء) ؛ إذا صببته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو المصبوب على مثال وهيئة، مأخوذ من (سنة الوجه).

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: (المسنون): المحكوك، من قولهم: (سننت الحديد).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والجان خلقناه من قبل من نار السموم : قال الحسن: يعني: إبليس، خلقه الله تعالى قبل آدم عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      و نار السموم : الحارة التي تقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود: نار السموم التي خلق الله تعالى منها الجان جزء من سبعين جزءا من نار جهنم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 635 ] الحسن: نار السموم : نار دونها حجاب، والذي تسمعون من انعطاط السحاب صوتها.

                                                                                                                                                                                                                                      والعرب تستعمل السموم بالليل والنهار، وقيل: إن (السموم) بالليل، و (الحرور) بالنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا سويته أي: سويت بعض خلقه ببعض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ونفخت فيه من روحي أي: من قدرتي، وحقيقته: أنه إضافة خلق إلى خالق، فـ (الروح): خلق من خلقه، أضافه إلى نفسه؛ كقوله: (أرضي، وسمائي)، ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم ذكر سجود الملائكة لآدم عليه السلام، وعصيان إبليس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا صراط علي مستقيم أي: على أمري وإرادتي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو على التهدد؛ كما يقال: (علي طريقك)، و (إلي مصيرك).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {علي} ؛ فهو بمعنى: عال رفيع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لها سبعة أبواب : قال علي رضي الله عنه: أبوابها أطباق بعضها فوق بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      لكل باب منهم جزء مقسوم أي: لكل منزل على قدر منزلته من الذنب.

                                                                                                                                                                                                                                      وأسماء الأبواب فيما ذكره المفسرون: جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم [ ص: 636 ] السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إخوانا على سرر متقابلين أي: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، عن مجاهد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      لا يمسهم فيها نصب أي: تعب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم : جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون، فقال: "أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار؟!"، فشق ذلك عليهم؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية