التفسير:
قوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار الآية: ثم قال بعد ذلك: الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ؛ كأنه لما أخبر عما يكون يوم القيامة؛ أخبر بصفة من يستحق اللعنة التي ختم بها الآية، فوصفهم بصفتهم في الدنيا؛ فهما قصتان اتصلت إحداهما بالأخرى؛ إحداهما في الآخرة، والأخرى في الدنيا.
وبينهما حجاب يعني: بين الجنة والنار، وهو السور الذي وصفه تعالى بقوله: فضرب بينهم بسور له باب [الحديد: 13]، وهو الأعراف، عن ، مجاهد . والسدي
: {الأعراف}: جسر بين الجنة والنار، عليه أهل الذنوب، وواحد {الأعراف}: (عرف)، و (العرف): كل مكان مرتفع. ابن عباس
وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم : قال ، الحسن : ومجاهد أصحاب الأعراف فضلاء المؤمنين.
هم قوم أبطأت بهم صغائرهم، إلى آخر الناس. حذيفة بن اليمان:
[ ص: 42 ] : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وقيل: هم الشهداء. ابن مسعود
وقيل: هم قوم خرجوا إلى الغزو بغير إذن آبائهم؛ فقتلوا، وقيل: هم أنبياء، وقيل: هم ملائكة.
وقوله: يعرفون كلا بسيماهم : قيل: يعرفون أهل الجنة بإسفار الوجوه، وأهل النار باسودادها.
ونادوا أصحاب الجنة أي: نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة.
أن سلام عليكم أي: قالوا لهم: سلام عليكم.
لم يدخلوها وهم يطمعون : قال ، ابن عباس ، وغيرهما: يعني: أصحاب الأعراف. وابن مسعود
وقال أبو مجلز: يعني: أهل الجنة؛ فالمعنى: قال لهم أصحاب الأعراف: سلام عليكم، وأهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعد، وهم يطمعون بدخولها، فالطمع للمؤمنين المارين على أصحاب الأعراف، والوقف على قوله: سلام عليكم ، وعلى قوله: لم يدخلوها ، ويجوز أن يكون وهم يطمعون حالا، ويكون المعنى: لم يدخلها المؤمنون المارون على أصحاب الأعراف طامعين، وإنما دخلوها غير طامعين، فلا يوقف على لم يدخلوها .
وقيل: إن المراد بقوله: لم يدخلوها وهم يطمعون : أصحاب الأعراف، ويجوز فيه من التقدير ما تقدم في الأول.
وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار الآية: يعني: أن أصحاب الأعراف إذا [ ص: 43 ] نظروا إلى أصحاب النار؛ سألوا الله ألا يجعلهم منهم.
ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعني: رجالا من أهل النار، وقد تقدم معنى يعرفونهم بسيماهم .
قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أي: عددكم، واستكباركم على الرسل.
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة يعني: أهل الجنة الذين كان الكفار يستهزئون بهم في الدنيا، ويزعمون أن لا حظ لهم في الآخرة، ويقسمون على ذلك، وهذا على أن يكون أصحاب الأعراف ملائكة أو أنبياء، فقولهم ذلك إخبار عن الله عز وجل، ومن جعل أصحاب الأعراف المذنبين، على ما تقدم؛ كان آخر قولهم لأصحاب النار: وما كنتم تستكبرون ، ويكون أهؤلاء الذين أقسمتم إلى آخر الآية من قول الله تعالى لأهل النار؛ توبيخا لهم على ما كان من قولهم لأصحاب الأعراف في الدنيا، حين دخل أصحاب الأعراف الجنة، فهو من قول الله تعالى، متصل بقول أصحاب الأعراف، روي القول الأول عن وغيره، والثاني عن الحسن . ابن عباس
وقوله: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله : في هذا إعلام بأن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب وإن كان معذبا.
قالوا إن الله حرمهما على الكافرين يعني: طعام أهل الجنة وشرابهم.
فاليوم ننساهم أي: نتركهم في النار، كما نسوا لقاء يومهم هذا أي: تركوا العمل له، وقيل: المعنى: فاليوم نتركهم في النار جياعا عطاشا.
[ ص: 44 ] وما كانوا بآياتنا يجحدون أي: بتركهم العمل للآخرة، وبجحدهم.
وقوله: بكتاب فصلناه على علم يعني: أنه بينه على ما فيه من العلم، وقيل: معناه: أنه فصله وهو عالم به.
هل ينظرون إلا تأويله أي: هل ينتظرون إلا ما يؤول إليه الأمر من البعث.
: {تأويله}: عاقبته؛ أي: عاقبة ما وعدوا به في الكتاب الذي جاءهم. قتادة
: {تأويله}: جزاءه؛ أي: جزاء تكذيبهم بالكتاب. مجاهد
ومعنى: يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل يعني: أنه يوم القيامة يقول الذين تركوا العمل بما فيه: قد جاءت رسل ربنا بالحق .
وقوله: خلق السماوات والأرض في ستة أيام : قال ، وغيره: أولها: الأحد، وآخرها: الجمعة، والحكمة في ذلك: أن تدبير الحوادث شيئا بعد شيء أدل على حكمة مدبرها عند من شاهدها من الملائكة، وهو قادر على أن يقول لها: كوني، فتكون. مجاهد
[ ص: 45 ] وقوله: ثم استوى على العرش : قد تقدم القول في نحوه في يطلبه حثيثا [البقرة: 29] أي: طلبا سريعا.
ألا له الخلق والأمر الخلق}: المخلوق، و {الأمر}: كلامه الذي هو غير مخلوق، وهو قوله: {كن} [البقرة: 117]، وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بين على فساد قول من قال بخلق القرآن.
وقوله: إنه لا يحب المعتدين : قال : فيه دليل على أن قتادة من الدعاء ما فيه اعتداء.
وقوله: وادعوه خوفا وطمعا أي: خوفا من عقابه، وطمعا في رحمته.
إن رحمت الله قريب من المحسنين : قريب من المحسنين : {قريب}: محمول على المعنى؛ لأن معنى الرحمة والغفران سواء.
: يجوز أن تكون (الرحمة) ههنا بمعنى: المطر. الفراء
وقيل: إنما قال: {قريب} ليفصل بين ما كان بمعنى: القرب، وبين القريب من القرابة من النسب.
[ ص: 46 ] ذكر {قريب} على تذكير (المكان) ؛ أي: مكانا قريبا. أبو عبيدة:
وقيل: ذكر على النسب؛ كأنه قال: إن رحمة الله ذات قرب.
وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أي: بين يدي المطر، وقوله: {نشرا}: مذكور في الإعراب.
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ؛ أي: حملت الريح سحابا ثقالا بالماء.
سقناه لبلد ميت أي: سقنا السحاب لبلد قد ماتت زروعه وأشجاره.
فأخرجنا به من كل الثمرات قيل: المعنى: فأخرجنا بالماء، وقيل: بالبلد.
كذلك نخرج الموتى أي: كما أحيينا البلد الميت؛ كذلك نبعث الموتى.
قال : يبعث الله تعالى مطرا، فينبت الناس كما ينبت الزرع. مجاهد
والبلد الطيب في قول : الطيب التربة، و (الخبيث): الذي في تربته حجارة أو شوك، وهذا مثل للمؤمن والمنافق. الحسن
عن : يعني: أن المؤمن يعمل متطوعا محتسبا، والمنافق يعمل ما يعمله غير محتسب. قتادة
وقيل: هو مثل للسريع الفهم، وضده.
[ ص: 47 ] و (النكد): العسر الشديد، وقيل: النزر القليل.