الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      معنى قوله: أو لتعودن في ملتنا : ليعودن من اتبعك، فغلب الأكثر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ الزجاج : يجوز أن يقال: عاد علي من فلان مكروه] وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك؛ أي: لحقني ذلك منه.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال لهم شعيب: أولو كنا كارهين : قيل: المعنى: أتخرجوننا وإن كنا كارهين؟ وقيل: المعنى: أتعيدوننا في ملتكم ولو كنا كارهين؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا : الاستثناء ههنا على وجه التسليم لله عز وجل، وقد قيل: إنه كقولك: (لا أكلمك حتى يبيض الغراب)، والغراب لا يبيض أبدا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 70 ] وقيل: المعنى: إلا أن يشاء الله ربنا وجها من وجوه البر الذي تتقربون به إلى الله عز وجل، فيأمرنا به، فنعمله، فنكون قد عدنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وسع ربنا كل شيء علما أي: أحاط به، فلا يخفى عليه منه شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ربنا افتح بيننا أي: احكم بيننا.

                                                                                                                                                                                                                                      كأن لم يغنوا فيها أي: يقيموا، و (المغاني): المنازل.

                                                                                                                                                                                                                                      وإعادة {الذين} في قوله: الذين كذبوا شعيبا ؛ لتعظيم الأمر وتفخيمه.

                                                                                                                                                                                                                                      فكيف آسى على قوم كافرين أي: كيف أحزن؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون أي: يخضعون، ويستكينون، وتقدم القول في: (البأساء) و (الضراء).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة : (السيئة) و ( الحسنة ): الشدة والرخاء، عن ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى عفوا أي: كثروا، عن ابن عباس وغيره، ابن زيد : كثرت أموالهم وأولادهم، و (عفا): من الأضداد، يقال: (عفا) ؛ إذا كثر، و (عفا) ؛ إذا درس، ومعنى الآية: أن الله تعالى أعلم أنه أخذهم بالشدة والرخاء؛ فلم يزدجروا، ولم يشكروا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء : فنحن مثلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فأخذناهم بغتة أي: فجأة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يعني: المطر، والنبات.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 71 ] أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا يعني: المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أي: مشتغلون فيما لا نفع لهم فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      أفأمنوا مكر الله يعني: استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون يعني: الذين يأمنونه؛ جهلا بقدرته.

                                                                                                                                                                                                                                      أولم يهد للذين يرثون الأرض : قال ابن عباس : معنى أولم يهد : أولم يستبن، وقيل: المعنى: أولم يهد الهدى، وقيل: معناه: أولم يهد الله، ومعناه: يبين.

                                                                                                                                                                                                                                      فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل أي: فما كان هؤلاء الذين أرسلنا إليهم الرسل، فكذبوهم، ليؤمنوا -لو ردوا إلى الدنيا- بما كذبوا به قبل إهلاكهم، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس : كان في علم الله يوم أخذ عليهم الميثاق أنهم لا يؤمنون.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : آمنوا يوم أخذ عليهم الميثاق كرها، فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة.

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين : [أي: مثل طبعه على قلوب هؤلاء المذكورين؛ كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين] بمحمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 72 ] وما وجدنا لأكثرهم من عهد : قال الحسن : العهد الذي عهد إليهم مع الأنبياء: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: المعنى: ما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فظلموا بها يعني: جعلوا بدل الإيمان بها الكفر؛ لأن (الظلم) وضع الشيء في غير موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ظلموا أنفسهم بجحدها، فبين الوجه الذي ظلموا منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق أي: واجب علي ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: على أن لا أقول ؛ فمعناه: حريص على ألا أقول، وقيل: إن {على} بمعنى الباء؛ والمعنى: حقيق بألا أقول.

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا هي ثعبان مبين أي: مبين أنها حية، وروي: أن فرعون استغاث بموسى وقد قصدته الحية، فكفها عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ونـزع يده أي: أخرجها، وأظهرها، ابن عباس ومجاهد : أخرج يده من جيبه؛ فإذا هي بيضاء من غير سوء؛ أي: من غير برص، وكان موسى عليه السلام [ ص: 73 ] أسمر، شديد السمرة، ثم أعاد يده إلى كمه، فعادت إلى لونها الأول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن هذا لساحر عليم أي: عليم بالسحر.

                                                                                                                                                                                                                                      يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قيل: هو من قول الملأ، وقيل: هو من قول فرعون مجيبا للملأ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا أرجه وأخاه أي: أخره، عن ابن عباس ، قتادة : احبسه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء السحرة فرعون : قال ابن جريج : كانوا تسع مئة؛ من العريش، والفيوم، والإسكندرية؛ أثلاثا.

                                                                                                                                                                                                                                      وهب: كانوا خمسة عشر ألفا، وكان معهم -فيما روي- حبال وعصي، يحملها ثلاث مئة بعير، فالتقمت الحية ذلك كله.

                                                                                                                                                                                                                                      وإنكم لمن المقربين أي: لمن أهل المنزلة الرفيعة.

                                                                                                                                                                                                                                      فلما ألقوا سحروا أعين الناس أي: خيلوا لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      واسترهبوهم أي: استدعوا رهبتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءوا بسحر عظيم أي: عظيم في أعين الرائين له، قال ابن زيد : كان الاجتماع بالإسكندرية، فبلغ ذنب الحية وراء البحيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال فرعون آمنتم به ، إلى قوله: ثم لأصلبنكم أجمعين : هذا قول فرعون للسحرة حين آمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 74 ] قال ابن عباس : كان فرعون أول من صلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف.

                                                                                                                                                                                                                                      و (التقطيع من خلاف): أن تقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، والرجل اليمنى مع اليد اليسرى، قاله الحسن ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      أفرغ علينا صبرا أي: أصببه علينا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويذرك وآلهتك : قال الحسن : كان فرعون يعبد الأصنام؛ فكان يعبد، ويعبد.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : كان يعبد ما يستحسن من البقر؛ ولذلك صنع السامري العجل.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : كانت له أصنام يعبدها قومه؛ تقربا إليه؛ فنسبت إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      والدليل على أنهم كانوا يعبدون غيره: قوله: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال سنقتل أبناءهم يعني: أبناء بني إسرائيل الذكور.

                                                                                                                                                                                                                                      ونستحيي نساءهم يعني: بناتهم يستخدمهن ويمتهنهن.

                                                                                                                                                                                                                                      قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا روي: أن السحرة لما آمنت بموسى عليه السلام؛ اتبعه ست مئة ألف من بني إسرائيل.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا يعنون: الاستعباد، وقتل البنين، وإحياء البنات.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن بعد ما جئتنا يعنون: الوعيد الذي كان من فرعون، وقالوا ذلك على وجه الاستبطاء لما وعدهم به من الغلبة، فجدد لهم الوعد، فقال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 75 ] قال الحسن : {عسى} من الله واجبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان عليهما السلام، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون، وروي: أنهم إنما قالوا ذلك حين أتوا البحر، ورأوا فرعون وراءهم، والبحر أمامهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فينظر كيف تعملون : مجاز؛ والمعنى: بعلمه العلم الذي يجب به الجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين يعني: الجدوب، مجاهد : الجوائح.

                                                                                                                                                                                                                                      ونقص من الثمرات يروى: أن ثمارهم نقصت حتى كانت النخلة لا تحمل إلا تمرة واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه .. الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      {الحسنة} ههنا: الخصب، و (السيئة) التي كانوا يتطيرون بموسى معها: الجدب، ومعنى قولهم في الحسنة : لنا هذه أي: أعطيناها باستحقاق، ومعنى {يطيروا}: يتشاءموا، وأصله: من زجر الطير، والعرب تتيمن بالسانح؛ وهو [ ص: 76 ] الذي يأتي من ناحية اليمين، وتتشاءم بالبارح؛ وهو الذي يأتي من ناحية الشمال، فقال الله تعالى: إنما طائرهم عند الله أي: هو الذي يأتي بطائر البركة والشؤم، وقيل: معناه: حظهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية