التفسير:
أو لتعودن في ملتنا : ليعودن من اتبعك، فغلب الأكثر. معنى قوله:
[ : يجوز أن يقال: عاد الزجاج من فلان مكروه] وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك؛ أي: لحقني ذلك منه. علي
فقال لهم شعيب: أولو كنا كارهين : قيل: المعنى: أتخرجوننا وإن كنا كارهين؟ وقيل: المعنى: أتعيدوننا في ملتكم ولو كنا كارهين؟
وقوله: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا : الاستثناء ههنا على وجه التسليم لله عز وجل، وقد قيل: إنه كقولك: (لا أكلمك حتى يبيض الغراب)، والغراب لا يبيض أبدا.
[ ص: 70 ] وقيل: المعنى: إلا أن يشاء الله ربنا وجها من وجوه البر الذي تتقربون به إلى الله عز وجل، فيأمرنا به، فنعمله، فنكون قد عدنا.
وسع ربنا كل شيء علما أي: أحاط به، فلا يخفى عليه منه شيء.
ربنا افتح بيننا أي: احكم بيننا.
كأن لم يغنوا فيها أي: يقيموا، و (المغاني): المنازل.
وإعادة {الذين} في قوله: الذين كذبوا شعيبا ؛ لتعظيم الأمر وتفخيمه.
فكيف آسى على قوم كافرين أي: كيف أحزن؟
وقوله: إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون أي: يخضعون، ويستكينون، وتقدم القول في: (البأساء) و (الضراء).
وقوله: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة : (السيئة) و ( الحسنة ): الشدة والرخاء، عن ، وغيره. ابن عباس
وقوله: حتى عفوا أي: كثروا، عن وغيره، ابن عباس : كثرت أموالهم وأولادهم، و (عفا): من الأضداد، يقال: (عفا) ؛ إذا كثر، و (عفا) ؛ إذا درس، ومعنى الآية: أن الله تعالى أعلم أنه أخذهم بالشدة والرخاء؛ فلم يزدجروا، ولم يشكروا. ابن زيد
وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء : فنحن مثلهم.
فأخذناهم بغتة أي: فجأة.
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يعني: المطر، والنبات.
[ ص: 71 ] أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا يعني: المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أي: مشتغلون فيما لا نفع لهم فيه.
أفأمنوا مكر الله يعني: استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون.
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون يعني: الذين يأمنونه؛ جهلا بقدرته.
أولم يهد للذين يرثون الأرض : قال : معنى ابن عباس أولم يهد : أولم يستبن، وقيل: المعنى: أولم يهد الهدى، وقيل: معناه: أولم يهد الله، ومعناه: يبين.
فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل أي: فما كان هؤلاء الذين أرسلنا إليهم الرسل، فكذبوهم، ليؤمنوا -لو ردوا إلى الدنيا- بما كذبوا به قبل إهلاكهم، قاله . مجاهد
: كان في علم الله يوم أخذ عليهم الميثاق أنهم لا يؤمنون. الربيع بن أنس
: آمنوا يوم أخذ عليهم الميثاق كرها، فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة. السدي
كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين : [أي: مثل طبعه على قلوب هؤلاء المذكورين؛ كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين] بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[ ص: 72 ] وما وجدنا لأكثرهم من عهد : قال : العهد الذي عهد إليهم مع الأنبياء: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا. الحسن
المعنى: ما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء. أبو عبيدة:
وقوله: فظلموا بها يعني: جعلوا بدل الإيمان بها الكفر؛ لأن (الظلم) وضع الشيء في غير موضعه.
وقيل: المعنى: ظلموا أنفسهم بجحدها، فبين الوجه الذي ظلموا منه.
وقوله: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق أي: واجب علي ذلك.
ومن قرأ: على أن لا أقول ؛ فمعناه: حريص على ألا أقول، وقيل: إن {على} بمعنى الباء؛ والمعنى: حقيق بألا أقول.
فإذا هي ثعبان مبين أي: مبين أنها حية، وروي: أن فرعون استغاث بموسى وقد قصدته الحية، فكفها عنه.
ونـزع يده أي: أخرجها، وأظهرها، ابن عباس : أخرج يده من جيبه؛ فإذا هي بيضاء من غير سوء؛ أي: من غير برص، وكان ومجاهد موسى عليه السلام [ ص: 73 ] أسمر، شديد السمرة، ثم أعاد يده إلى كمه، فعادت إلى لونها الأول.
وقوله: إن هذا لساحر عليم أي: عليم بالسحر.
يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قيل: هو من قول الملأ، وقيل: هو من قول فرعون مجيبا للملأ.
وقوله: قالوا أرجه وأخاه أي: أخره، عن ، ابن عباس : احبسه. قتادة
وجاء السحرة فرعون : قال : كانوا تسع مئة؛ من ابن جريج العريش، والفيوم، والإسكندرية؛ أثلاثا.
وهب: كانوا خمسة عشر ألفا، وكان معهم -فيما روي- حبال وعصي، يحملها ثلاث مئة بعير، فالتقمت الحية ذلك كله.
وإنكم لمن المقربين أي: لمن أهل المنزلة الرفيعة.
فلما ألقوا سحروا أعين الناس أي: خيلوا لهم.
واسترهبوهم أي: استدعوا رهبتهم.
وجاءوا بسحر عظيم أي: عظيم في أعين الرائين له، قال : كان الاجتماع ابن زيد بالإسكندرية، فبلغ ذنب الحية وراء البحيرة.
وقوله: قال فرعون آمنتم به ، إلى قوله: ثم لأصلبنكم أجمعين : هذا قول فرعون للسحرة حين آمنوا.
[ ص: 74 ] قال : ابن عباس كان فرعون أول من صلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف.
و (التقطيع من خلاف): أن تقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، والرجل اليمنى مع اليد اليسرى، قاله ، وغيره. الحسن
أفرغ علينا صبرا أي: أصببه علينا.
وقوله: ويذرك وآلهتك : قال : كان فرعون يعبد الأصنام؛ فكان يعبد، ويعبد. الحسن
: كان يعبد ما يستحسن من البقر؛ ولذلك صنع السامري العجل. السدي
: كانت له أصنام يعبدها قومه؛ تقربا إليه؛ فنسبت إليه. الزجاج
والدليل على أنهم كانوا يعبدون غيره: قوله: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24].
وقوله: قال سنقتل أبناءهم يعني: أبناء بني إسرائيل الذكور.
ونستحيي نساءهم يعني: بناتهم يستخدمهن ويمتهنهن.
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا روي: أن السحرة لما آمنت بموسى عليه السلام؛ اتبعه ست مئة ألف من بني إسرائيل.
قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا يعنون: الاستعباد، وقتل البنين، وإحياء البنات.
ومن بعد ما جئتنا يعنون: الوعيد الذي كان من فرعون، وقالوا ذلك على وجه الاستبطاء لما وعدهم به من الغلبة، فجدد لهم الوعد، فقال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم .
[ ص: 75 ] قال : {عسى} من الله واجبة. الحسن
وقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان عليهما السلام، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون، وروي: أنهم إنما قالوا ذلك حين أتوا البحر، ورأوا فرعون وراءهم، والبحر أمامهم.
وقوله: فينظر كيف تعملون : مجاز؛ والمعنى: بعلمه العلم الذي يجب به الجزاء.
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين يعني: الجدوب، : الجوائح. مجاهد
ونقص من الثمرات يروى: أن ثمارهم نقصت حتى كانت النخلة لا تحمل إلا تمرة واحدة.
فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه .. الآية.
{الحسنة} ههنا: الخصب، و (السيئة) التي كانوا يتطيرون بموسى معها: الجدب، ومعنى قولهم في الحسنة : لنا هذه أي: أعطيناها باستحقاق، ومعنى {يطيروا}: يتشاءموا، وأصله: من زجر الطير، والعرب تتيمن بالسانح؛ وهو [ ص: 76 ] الذي يأتي من ناحية اليمين، وتتشاءم بالبارح؛ وهو الذي يأتي من ناحية الشمال، فقال الله تعالى: إنما طائرهم عند الله أي: هو الذي يأتي بطائر البركة والشؤم، وقيل: معناه: حظهم.