التفسير:
قوله: فلما تغشاها : كناية عن الجماع.
حملت حملا خفيفا يعني: المني.
[ ص: 142 ] فمرت به أي: استمرت بذلك الحمل الخفيف إلى أن ثقل، عن ، الحسن ، وغيرهما. ومجاهد
وقيل: المعنى: فاستمر بها، فهو من المقلوب.
: شكت فيه لخفته، وهذا على قراءة من قرأ: {فمرت} ؛ بالتخفيف. ابن عباس
وقوله: دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا : قال : غلاما سويا. الحسن
: بشرا سويا، قال: وأشفقا أن يكون بهيمة. ابن عباس
جعلا له شركاء فيما آتاهما : قيل: إن الضمير في {آتاهما} و {جعلا} يرجع إلى (النفس) و (زوجها) من ولد آدم، قاله وقوله: ، الحسن . وقتادة
وقيل: هو راجع إلى آدم وحواء؛ والمعنى: الشرك في التسمية، على ما روي: أن الشيطان تصور لها، فخوفها أن يكون ما في بطنها بهيمة، ووسوس إليهما بأنه يدعو الله أن يجعله بشرا مثلهما، حتى سمته عبد الحارث.
وقيل: إنها كانت تحمل فيموت حملها، فوسوس الشيطان إليها أنه [ ص: 143 ] يقتله إلا أن تسميه عبد الحارث، وكان اسم إبليس الحارث.
: لم يخص عكرمة آدم وحواء، وإنما أراد نسلهما؛ فالمعنى: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها، فالتثنية يراد بها: الجنسان؛ الذكر والأنثى؛ ولذلك قال: فتعالى الله عما يشركون .
وقيل: إن المراد من الآية إلى قوله: لنكونن من الشاكرين : آدم وحواء، وما بعده يراد به الذكر والأنثى من ولدهما؛ يدل عليه قوله: فتعالى الله عما يشركون ، ومثل الانتقال من ذكر آدم وحواء إلى ذكر ولدهما قوله تعالى: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، ثم قال: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ، ثم قال: وتسبحوه بكرة وأصيلا [الفتح: 8- 9]، ومثله كثير.
وقيل: ليس لآدم وحواء في الآية من الذكر إلا قوله: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ، ثم عاد الذكر إلى من أشرك من ولدهما.
وقيل: إن الهاء في جعلا له تعود إلى الصالح؛ والمعنى: طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح؛ شركا بين الطلبتين، فيسوغ على هذا أن يراد به: آدم وحواء، وهذا القول ضعيف؛ لقوله: فتعالى الله عما يشركون .
[ ص: 144 ] ومعنى جعلا له شركاء : جعلا له ذوي شرك، أو جعلا لغيره شركا.
أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون يعني: المشركين، وقيل: يعني: الأصنام، وأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل، وقيل: يعني: الأصنام وعابديها.
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم يعني: الأصنام، وقيل: يعني: من سبق في علمه عز وجل أنه لا يؤمن.
إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم المعنى: إن الذين تدعون آلهة من دون الله؛ أي: غير الله، وسميت الأوثان عبادا؛ لأنها مملوكة لله عز وجل، وقيل: لأنهم ظنوا أنها تضر وتنفع.
: المعنى: أن الأصنام مخلوقة أمثالكم. الحسن
ثم وبخهم الله تعالى، وسفه عقولهم، فقال: ألهم أرجل يمشون بها ... الآية، ثم قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: قل ادعوا شركاءكم يعني: الأصنام، ثم كيدون : أنتم وهي، فلا تنظرون أي: فلا تؤخروني إن زعمتم أن أحدا غير الله يضر وينفع.
إن وليي الله أي: قل: إن وليي الله، فلا أخاف غيره، وهو يتولى الصالحين .
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا يعني: الأصنام.
وتراهم ينظرون إليك أي: وتراهم كالناظر إليك، وهي جماد لا تبصر.
وقيل: إن المراد بذلك: المشركون، أخبر عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم.
[ ص: 145 ] وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ : (النزغ): الإزعاج إلى الشر، وهو في اللغة: أدنى حركة؛ والمعنى: إن نالتك من الشيطان وسوسة؛ فاستعذ بالله.
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا : (الطائف): بمنزلة الخاطر والعارض، و (الطيف): مصدر من (طاف يطيف)، وقيل: هو من الواو، والأصل: (طيوف)، وكذلك يكون أصل قراءة من قرأ: {طيف}، إذا جعل من الواو.
: يقال: طفت عليهم أطوف، وطاف الخيال يطيف. الزجاج
: (الطيف): اللمم، و (الطائف): ما طاف حول الإنسان. الكسائي
(الطيف): الوسوسة. أبو عمرو:
: (الطيف): الغضب. مجاهد
وإخوانهم يمدونهم في الغي قيل: المعنى: وإخوان الشياطين من ضلال الإنس تمدهم الشياطين في الغي، قاله ، الحسن ، وغيرهما. وقتادة
[ ص: 146 ] وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ والمعنى: والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم، ولا أنفسهم ينصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي؛ لأن الكفار إخوان الشياطين.
وقيل: إن الضمير في ثم لا يقصرون على القولين جميعا للكفار، وقيل: هو للشياطين؛ فإن كان للكفار؛ فالمعنى: ثم لا يتوبون، وإن كان للشياطين؛ فالمعنى: ثم لا يقصر الشياطين في مدهم الكفار، وكذلك قال : المعنى: ثم لا يقصرون عنهم، ولا يرحمونهم. قتادة
وقوله: في الغي : يجوز أن يكون متصلا بقوله: {يمدونهم}، ويجوز أن يكون متصلا بـ (الإخوان).
وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها أي: هلا اختلقتها من نفسك، فأعلمهم أن الآيات من قبل الله عز وجل.
هذا بصائر من ربكم يعني: القرآن.
وقوله: بالغدو والآصال : قال ، قتادة {الآصال}: العشيات. وابن زيد:
: الواحد: (أصيل)، جمع على: (أصل)، وجمعت (الأصل) على (آصال) ؛ فهو جمع الجمع. الزجاج
[ ص: 147 ] ويجوز أن يكون {الآصال} جمع (أصيل) ؛ كـ (يمين، وأيمان)، واشتقاقه من (الأصل) الذي ينتهي إليه النهار، وينشأ عنه الليل.
إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته يعني: الملائكة، وقوله: عند ربك على جهة التشريف لهم، وأنهم بالمكان المكرم؛ فهو عبارة عن قربهم في الكرامة، لا في المسافة.
{ويسبحونه} أي: ينزهونه عن السوء.
وله يسجدون أي: يصلون.