التفسير:
{المعذرون} قيل: أصله: (المعتذرون) ، قال مجاهد، وقتادة: هم [ ص: 292 ] نفر من غفار، جاؤوا فاعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقبل منهم؛ لعلمه بأن اعتذارهم باطل، وقيل: هو من (عذر في الأمر) ؛ إذا قصر.
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله يعني؛ المنافقين.
وقوله تعالى: ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية:
أي: ليس على هؤلاء المذكورين إثم في التخلف.
وروي: أن عبد الله بن المغفل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رهط، فقالوا: يا رسول الله؛ احملنا، فقال: "لا أجد ما أحملكم عليه"، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا على ذلك.
وقيل: كانوا من بني مقرن من مزينة، قاله مجاهد.
الحسن: نزلت في أبي موسى الأشعري وأصحابه.
وقوله: وسيرى الله عملكم أي: سيجازيكم عليه.
وقوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا قال قتادة: لأنهم أبعد عن معرفة السنن.
قال غيره: لأنهم أقصى، وأجفى، وأبعد عن سماع التنزيل.
وقوله تعالى: وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله : {أجدر} : من قولهم: (أنت جدير بكذا) ؛ أي: خليق به، وقيل: إنه مشتق من (جدر الحائط) ؛ [ ص: 293 ] وهو رفعه بالبناء، ولا بد في (جدير بكذا) من الباء، ويجوز حذفها مع (أن) .
وقوله تعالى: ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما أي: غرما وخسرانا، وأصله: لزوم الشيء، ومنه: إن عذابها كان غراما [الفرقان: 65]؛ أي: لازما.
وقوله تعالى: ويتربص بكم الدوائر يعني: ما يدور به الزمان من المكروه.
عليهم دائرة السوء أي: دائرة البلاء والمكروه.
وقوله تعالى: ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر الآية:
يروى: أن المراد بذلك: بنو مقرن من مزينة، و (القربة) : ما يتقرب به إلى الله عز وجل.
ومعنى وصلوات الرسول : استغفاره، عن ابن عباس، والحسن.
قتادة: دعاؤه بالخير والبركة.
ألا إنها قربة لهم يعني: نفقاتهم.
وقوله تعالى: والسابقون الأولون : قال ابن المسيب، والحسن، وابن سيرين: هم الذين [صلوا القبلتين].
الشعبي: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان؛ وهي بيعة الحديبية.
عطاء: هم أهل بدر.
الشافعي: (المهاجرون الأولون) : من هاجر قبل بيعة الرضوان، والسابقون الأولون : من أدرك بيعة الرضوان.
[ ص: 294 ] وقوله تعالى: وممن حولكم من الأعراب منافقون يعني: من مزينة.
وقوله: ومن أهل المدينة مردوا على النفاق : قيل: المعنى: ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى: وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق، ومن أهل المدينة مثل ذلك.
ومعنى {مردوا} : أقاموا، ولم يتوبوا، عن ابن زيد.
غيره: المعنى: لجوا فيه، وأبوا غيره، وأصله: التجرد، فكأنهم تجردوا للنفاق.
وقوله تعالى: سنعذبهم مرتين : قيل: أحد العذابين: الفضيحة؛ بإطلاع النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، والآخر: عذاب القبر.
الحسن، وقتادة: عذاب القبر، وعذاب الدنيا.
مجاهد: الجوع والقتل.
الفراء: القتل وعذاب القبر.
وقيل: السباء والقتل.
ابن زيد: الأول: عذابهم بالمصائب في أموالهم وأولادهم، والثاني: عذاب القبر.
[وقيل: الأول: أخذ الزكاة من أموالهم، وإجراء الحدود عليهم، والثاني: عذاب القبر].
[ ص: 295 ] وقوله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم : قال ابن عباس: نزلت في عشرة تخلفوا عن غزوة تبوك، فأوثق سبعة منهم أنفسهم في سواري المسجد، وقال بنحوه قتادة، قال: وفيهم نزل: خذ من أموالهم صدقة الآية.
وقيل: كانوا ستة، ربط منهم أنفسهم في سواري المسجد ثلاثة؛ وهم أبو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن حرام، ووداعة بن ثعلبة.
وقيل: هم الثلاثة الذين خلفوا المذكورون بعد هذا.
وقيل: بل الثلاثة الذين خلفوا غيرهم؛ وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع - وقيل: بن ربعي - العمري، وهلال بن أمية، قاله مجاهد، وغيره.
وعن ابن عباس أيضا: لما تاب الله عز وجل على أبي لبابة وصاحبيه الذين ربطوا أنفسهم؛ بقي الثلاثة الذين لم يربطوا أنفسهم لم يذكروا بشيء؛ فضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ فأنزل الله تعالى فيهم: وآخرون مرجون لأمر الله الآية، وأنزل الله فيهم: وعلى الثلاثة الذين خلفوا الآية.
وقوله تعالى: خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا : قيل: (العمل الصالح) : لحوقهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، و (السيئ) : تخلفهم عنه، وقيل: (الصالح) : شهودهم بدرا.
وقوله: عسى الله أن يتوب عليهم : {عسى} من الله تعالى واجبة.
وقوله: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات : قيل:
[ ص: 296 ] معنى (يأخذها) : يقبلها، ويجازي عليها.
وقيل: جعل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم لها أخذا لله تعالى على الاتساع.
وقوله تعالى: إما يعذبهم وإما يتوب عليهم : خاطب الله تعالى العباد بما جرت به عادتهم؛ والمعنى: هم عندكم على هذا، والله عالم بما يكون من الأمرين.


