وقوله: ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء    : لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي. 
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس   : فضله عليهم: النبوة، وعلى الناس: دلالته إياهم على الإيمان. 
ثم قال لهما: يا صاحبي السجن  ؛ لأنهما كانا فيه؛ كقولك: (أصحاب الجنة)، و (أصحاب النار). 
أأرباب متفرقون  يعني: الأوثان التي فيها صغير وكبير، خير أم الله الواحد القهار  ؛ فدلهم على توحيد الله تعالى  قبل أن يخبرهما بتأويل ما سألاه عنه. 
ما أنـزل الله بها من سلطان  أي: من حجة. 
وقوله: أما أحدكما فيسقي ربه خمرا  أي: يرد على عمله الذي كان فيه، وأما الآخر فيصلب  يعني: صاحب الطعام، فقال له: لم أر شيئا، فقال: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان  أي: الذي قلته لكما كائن على كل حال، علم ذلك بالوحي. 
 [ ص: 500 ] وقيل: إنما أجابهما أولا بغير جواب ما سألاه عنه؛ كراهة أن يخبر صاحب الطعام بما يكرهه. 
ويروى: أنهما قالا له: إنما كنا نلعب. 
وقيل: كانا رأيا ما سألاه عنه، ثم أنكراه. 
وقيل: إنما أنكر الذي عبر له بالصلب. 
وقوله: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك   : الظن ههنا بمعنى اليقين. 
ومعنى عند ربك  عند سيدك. 
وقوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه   : (الهاء) ليوسف؛  أي: أنساه الشيطان ذكر الله تعالى، وقيل: (الهاءان) للساقي؛ وهو الناسي. 
فلبث في السجن بضع سنين   : (البضع) قطعة من الدهر مختلف فيها: 
قال  ابن عباس:  هي من الثلاث إلى العشر. 
 مجاهد،   وقتادة:  هي من الثلاث إلى التسع. 
وهب: سبع سنين. 
 أبو عبيدة:   (البضع): من الواحد إلى الأربعة. 
 [ ص: 501 ] قال بعض المفسرين: إنما قال: اذكرني عند ربك  بعد أن لبث في السجن خمس سنين، ثم لبث بعد ذلك سبع سنين. 
وقوله تعالى: وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان  يعني: الملك الأكبر، و (العجاف): المهازيل. 
وقوله: إن كنتم للرؤيا تعبرون   : (العبارة): مشتقة من (عبور النهر) ؛ فمعنى (عبرت النهر): بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يخبر بما يؤول إليه أمرها. 
وقوله: قالوا أضغاث أحلام  أي: أخلاط أحلام، و (الضغث): حزمة من النبات فيها ضروب مختلفة، وواحد (الأحلام): (حلم)، وأصله: الأناة، ومنه: (الحلم)، فسمي ما يراه النائم حلما؛ لأن النوم حال أناة، وسكون، ودعة. 
وقوله: وقال الذي نجا منهما  يعني: ساقي الملك. 
وادكر بعد أمة   : أي: بعد حين، عن  ابن عباس  وغيره، وأصله: الجملة من الحين، و (الأمة): الجماعة الكثيرة من الناس. 
وقوله: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون   : في الكلام حذف دل عليه المعنى؛ والتقدير: أنا أنبئكم بتأويله، فأرسلون، فأرسلوه، فأتي يوسف،  فقال: أيها الصديق  ، و {الصديق}: (فعيل) ؛ من الصدق؛ وهو المبالغ في الصدق. 
وقوله: أفتنا في سبع بقرات سمان  أي: أخبرنا بتأويل ذلك، فقال لهم يوسف:  أما البقرات السمان، والسنبلات الخضر؛ فسبع سنين مخصبة، وأما  [ ص: 502 ] البقرات العجاف، والسنبلات اليابسات؛ فسبع سنين جدبة، فما حصدتم في السبع الخصبة؛ فذروه في سنبله؛ لأنه أبقى له. 
وقوله: {دأبا} أي: ملازمة، و (الدأب): استمرار الشيء على عادة. 
وقوله: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد  يعني: سبع سنين جدبة. 
ومعنى يأكلن   : يؤكل فيهن. 
إلا قليلا مما تحصنون  أي: مما تدخرون للحرث. 
ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون   : هذا ليس في رؤيا الملك، أخبرهم به يوسف؛  دلالة على نبوته عليه السلام. 
قال  ابن عباس:  معنى {يعصرون} أي: يعصرون العنب والزيتون، وعنه أيضا: يحلبون. 
 أبو عبيدة:  ينجون. 
وقوله تعالى: فلما جاءه الرسول  أي: فلما جاء يوسف  الرسول؛ قال ارجع إلى ربك  أي: إلى سيدك، فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن   : أراد بذلك تحقيق براءته مما نسب إليه؛ فدعا الملك بالنسوة فخاطبهن جمع، ولم يفرد  [ ص: 503 ] امرأة العزيز؛ تأدبا وحسن عشرة، فقال: ما خطبكن  أي: ما شأنكن، إذ راودتن يوسف  عن نفسه  ؟ 
وقيل: إنما قال لهن ذلك؛ لأنهن قلن ليوسف  حين جمعتهن امرأة العزيز: وما عليك أن تفعل؟ 
وقيل: بل ظن أنهن راودنه كلهن. 
فقال النسوة: حاش لله ما علمنا عليه من سوء  ، فأقرت امرأة العزيز حينئذ، وقالت: الآن حصحص الحق  أي: تبين ووضح، عن  ابن عباس،  وغيره، وهو مشتق من: (الحصة) ؛ فالمعنى: بانت حصة الحق من حصة الباطل. 
وقيل: هو مأخوذ من (حص شعره) ؛ إذا استأصل قطعة؛ فمعنى حصحص الحق   : انقطع من الباطل. 
وقوله تعالى: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب  أي: قال يوسف:  ذلك الأمر الذي فعلته من ردي الرسول؛ ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب، قاله  الحسن،   وقتادة،  وغيرهما، ومعنى {بالغيب}: وهو غائب. 
وروي: أن جبريل  عليه السلام قال له حين قال ذلك: ولا حين هممت؟ وقيل: قال له: ولا حين حللت التكة؟ فتذكر يوسف  فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   . 
 ابن جريج:  هو من قول يوسف  في السجن، متصل بقوله: إن ربي بكيدهن عليم   . 
 [ ص: 504 ] وقيل: هو من قول امرأة العزيز؛ والمعنى: ذلك ليعلم يوسف  أني لم أذكره بسوء وهو غائب. 
وقوله: ائتوني به أستخلصه لنفسي  أي: أجعله خالصا لنفسي. 
قال إنك اليوم لدينا مكين أمين  أي: مكين في المنزلة، أمين قد عرفنا أمانتك فيما قذفت به. 
وقيل: معنى {أمين}: آمن، لا تخاف غدرا. 
وقوله تعالى: قال اجعلني على خزائن الأرض  يعني: خزائن أموالها. 
إني حفيظ عليم  أي: حفيظ لها، عليم بوجوه متصرفاتها. 
وقيل: حافظ للحساب، عليم بالألسن. 
وقيل: إنما سأل يوسف  أن يجعل على خزائن الأرض؛ ليقوم فيها بالعدل والصلاح، ويروى: أن الملك سلم إليه جميع ملكه. 
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض  يعني: أرض مصر.  
				
						
						
