التفسير:
الباء في قوله تعالى: بإذن ربهم متعلقة بقوله: لتخرج الناس ، وأضيف الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المنذر والهادي بأمر الله تعالى.
وقوله: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم : لا حجة للعجم في هذه الآية؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها؛ لزمته الحجة، وقد قال الله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ: 28].
وقوله: وذكرهم بأيام الله : قال أبي بن كعب، ومجاهد، وغيرهما: المعنى: بنعم الله.
مالك بن أنس: أي: ببلاء الله.
الحسن: نعم الله عندهم وأياديه.
ابن زيد: يعني: الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية.
لكل صبار شكور يعني: من صبر على طاعة الله عز وجل، وشكر نعمه.
وقوله تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم : {تأذن} و (أذن) بمعنى، ومعناه: أعلم، ومثله: (أوعدته) و (توعدته)، روي معنى ذلك [ ص: 598 ] عن الحسن، وغيره.
ابن مسعود: معنى {تأذن}: قال.
وقوله: والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله : قال ابن عباس: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.
وقوله تعالى: فردوا أيديهم في أفواههم : قال ابن عباس: وضعوا أيديهم على أفواههم حين سمعوا كتاب الله؛ تعجبا منه.
مجاهد، وقتادة: ردوا على الرسل قولهم، وكذبوهم بأفواههم.
ابن مسعود: عضوا عليها غيظا.
وقيل: هو تمثيل للسكوت؛ المعنى: أنهم كانوا يسكتون إذا دعوا إلى الإيمان.
الحسن: جعلوا أيديهم في أفواه الرسل؛ تكذيبا لهم.
وقيل: معناه: أومؤوا إلى الرسل أن اسكتوا.
وقيل: (الأيدي): النعم، والهاء والميم في {أيديهم} للرسل؛ والمعنى: ردوا نعم الرسل بأفواههم؛ أي: بالنطق بالتكذيب، قاله مجاهد.
وقيل: المعنى: أخذوا أيدي الرسل فجعلوها في أفواه الرسل، فالضميران للرسل.
[ ص: 599 ] وقيل: المعنى: ردوا قول الرسل من حيث جاء، فـ (الأيدي) على هذا: ما نطق به الرسل من البينات، و (اليد) في اللغة: تقع على النعمة، وعلى السلطان، وعلى الملك، وعلى العهد والعقد.
والقول في: ليغفر لكم من ذنوبكم كالقول في: ويكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة: 271].
وقوله تعالى: ولكن الله يمن على من يشاء من عباده أي: يمن بالنبوة.
وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله : لفظه لفظ الحظر، ومعناه: النفي؛ لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه.
وقوله: وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا أي: وأي شيء لنا في ألا نتوكل على الله وقد هدانا إلى الطرق التي توصلنا إلى رحمته؟! وقوله تعالى: ذلك لمن خاف مقامي أي: مقامه بين يدي، فأضيف المصدر إلى الفاعل.
{واستفتحوا} أي: واستنصروا، وقد تقدم القول في مثله، والضمير فيه للرسل، قاله ابن عباس، وغيره.
ابن زيد: استفتحت الأمم بالدعاء؛ كما قالت قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [الأنفال: 32].
[ ص: 600 ] وخاب كل جبار عنيد : (الجبار): المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا، و (العنيد): المعاند المجانب للحق.
وقيل: إن المراد ههنا: أبو جهل.
وقوله: من ورائه جهنم أي: من وراء ذلك الكافر جهنم؛ يريد: أمامه، واشتقاقه مما توارى واستتر.
وقوله: ويسقى من ماء صديد : قيل: هو ما يسيل من أجسام أهل النار.
وقيل: هو تمثيل؛ والمعنى: أنه يسقى ماء مثل ذلك.
يتجرعه ولا يكاد يسيغه : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يقرب إليه، فيكرهه، فإذا أدني منه؛ شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه؛ قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره "، ثم تلا: وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم [محمد: 15].
وقوله: ويأتيه الموت من كل مكان : قيل: معناه: من كل مكان يمات منه؛ من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، وما هو بميت، قاله ابن عباس.
وقيل: المعنى: يأتيه الموت من تحت كل شعرة في جسده، قاله إبراهيم النخعي.
الفضيل بن عياض: هو حبس الأنفاس.
وقيل: تعلق نفسه في حنجرته؛ فلا تخرج، ولا ترجع.
[ ص: 601 ] محمد بن كعب: إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب، فرآه؛ مات موتات، فإذا دنا منه مات موتات، فإذا شرب منه مات موتات، فذلك قوله: ويأتيه الموت من كل مكان .
وقوله تعالى: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف : هذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار؛ يريد: أنها تمحق كما تمحق الريح الرماد.
في يوم عاصف أي: ذي عصف، وقيل: في يوم عاصف الريح، و (العصف): شدة الريح.
لا يقدرون مما كسبوا على شيء أي: لا يقدرون مما عملوا على شيء.
وقوله تعالى: وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا أي: قال الأتباع للمتبوعين: إنا كنا لكم تبعا : يجوز أن يكون قوله: {تبعا} مصدرا؛ والتقدير: ذوي تبع، ويجوز أن يكون جمع (تابع).
وقوله: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب: تعالوا نصبر، فيصبرون خمس مئة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم؛ قالوا: [هلم فلنجزع، فيجزعون، ويضجون خمس مئة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم؛ قالوا]: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ".
[ ص: 602 ] وقوله: وقال الشيطان لما قضي الأمر أي: لما صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار: إن الله وعدكم وعد الحق أي: وعد من أطاعه الجنة، ومن عصاه النار.
ووعدتكم فأخلفتكم يعني: ما كان يزينه لهم في الدنيا.
وما كان لي عليكم من سلطان أي: من حجة إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ؛ أي: أغويتكم فتابعتموني.
[ ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي أي: ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثي].
إني كفرت بما أشركتمون من قبل أي: إني عصيت الله قبلكم، عن قتادة.
الثوري: المعنى: كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا.


