وقوله: ولقد جعلنا في السماء بروجا : قال الحسن، (البروج): النجوم، وسميت بذلك؛ لظهورها، وارتفاعها، ومنه: (تبرج المرأة): إظهارها زينتها. وقتادة:
وحفظناها من كل شيطان رجيم أي: من استراق الشياطين السمع، وذلك من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك قبله.
[ ص: 631 ] إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين : قال الشهاب يحرق، ولا يقتل، وقال ابن عباس: يحرق، ويقتل. الحسن:
وقوله تعالى: وأنبتنا فيها من كل شيء موزون : معنى {موزون} في قول بقدر معلوم. ابن عباس:
الحسن، من الأشياء التي توزن. وابن زيد:
[وقيل: ذكر الوزن؛ لأنه أعم من الكيل؛ لأن سائر المكيلات إذا صارت طعاما دخلت في باب الوزن.
وقيل: لأن في الوزن معنى الكيل؛ لأنه طلب مساواة الشيء بالشيء؛ فخص الوزن؛ لاشتماله على الكيل].
وقوله: وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين : قال يعني: من الإماء، والعبيد، والدواب، والأنعام. مجاهد:
وقيل: أراد به: الوحش؛ فـ {من} -على هذا- لما لا يعقل، وعلى القول الأول على تغليب من يعقل على ما لا يعقل.
وقوله: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم : روي: "أنه ليس عام أكثر مطرا من عام، لكن الله تعالى يقسمه كيف يشاء"؛ فيمطر [ ص: 632 ] قوم، ويحرم آخرون، وربما كان المطر في البحار والقفار.
وقوله تعالى: وأرسلنا الرياح لواقح أي: تلقح السحاب؛ أي: تلقي إليه ما يحمل به الماء، قاله وغيره، وروي نحوه عن ابن مسعود، قال: تلقح الريح الشجر والسحاب. ابن عباس،
{لواقح} بمعنى: ملاقح، ذهب إلى أنه جمع (ملقحة)، و (ملقح)، ثم حذفت زوائده. أبو عبيدة:
وقيل: هو جمع (لاقحة) و (لاقح) ؛ على معنى: ذات إلقاح، على النسب.
ويجوز أن يكون معنى (لاقح): حاملا، والعرب تقول للجنوب: (لاقح)، و (حامل)، وللشمال: (حائل)، و (عقيم).
قال عبيد بن عمير: ثم يبعث المثيرة؛ فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلفة؛ فتؤلفه، ثم يبعث اللقوح؛ فتلقح الشجر. يبعث الله تعالى الريح المبشرة؛ فتقم الأرض قما،
[ ص: 633 ] وقيل: الريح اللاقح: التي تحمل الندى، فتمجه في السحاب، فإذا اجتمع فيه؛ صار مطرا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الريح الجنوب من الجنة، وهي اللواقح التي ذكر الله في كتابه، وفيها منافع للناس".
وقوله تعالى: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين : قال وقتادة: أي: من مضى، ومن بقي. مجاهد،
أول الخلق وآخره. الشعبي:
المتقدمين في الطاعة، والمتأخرين عنها. الحسن:
يعني: أصحاب الصف الأول، وأصحاب الصف الآخر في الصلاة، قال: وكانت تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة جميلة، فكان قوم يتقدمون إلى القبلة؛ لئلا يروها، وكان قوم يتأخرون، فإذا ركع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وضع أحدهم يديه على ركبتيه، ونظر إليها من تحت ضبعيه، فنزلت الآية في ذلك. ابن عباس:
وقوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون يعني: الطين اليابس، عن وغيره، سمي صلصالا؛ لأنه يصلصل؛ أي: يصوت. ابن عباس
[ ص: 634 ] هو مثل الخزف الذي يصلصل، وعنه أيضا: هو المـــنتن. مجاهد:
وحكى وغيره: (صل اللحم، وأصل) ؛ إذا أنتن، فالأصل على هذا: (صلال)، فأبدل من إحدى اللامين الصاد. الكسائي،
وقيل: (الصلصال): التراب المدقق، و (الحمأ): جمع (حمأة) ؛ وهو الطين المتغير إلى السواد، و (المسنون) في قول الرطب، وعنه أيضا: هو المـــنتن، وقال: ابن عباس: من صلصال، ومن طين لازب، ومن حمأ مسنون. خلق الله تعالى آدم من ثلاثة أشياء:
(المسنون): المصبوب، تقول العرب: (سننت الماء) ؛ إذا صببته. أبو عبيدة:
وقيل: هو المصبوب على مثال وهيئة، مأخوذ من (سنة الوجه).
(المسنون): المحكوك، من قولهم: (سننت الحديد). الفراء:
وقوله: والجان خلقناه من قبل من نار السموم : قال يعني: إبليس، خلقه الله تعالى قبل الحسن: آدم عليه السلام.
و نار السموم : الحارة التي تقتل.
قال نار السموم التي خلق الله تعالى منها الجان جزء من سبعين جزءا من نار جهنم. ابن مسعود:
[ ص: 635 ] الحسن: نار السموم : نار دونها حجاب، والذي تسمعون من انعطاط السحاب صوتها.
والعرب تستعمل السموم بالليل والنهار، وقيل: إن (السموم) بالليل، و (الحرور) بالنهار.
وقوله: فإذا سويته أي: سويت بعض خلقه ببعض.
وقوله: ونفخت فيه من روحي أي: من قدرتي، وحقيقته: أنه إضافة خلق إلى خالق، فـ (الروح): خلق من خلقه، أضافه إلى نفسه؛ كقوله: (أرضي، وسمائي)، ونحوه.
وتقدم ذكر لآدم عليه السلام، وعصيان إبليس. سجود الملائكة
وقوله: هذا صراط علي مستقيم أي: على أمري وإرادتي.
وقيل: هو على التهدد؛ كما يقال: (علي طريقك)، و (إلي مصيرك).
ومن قرأ: {علي} ؛ فهو بمعنى: عال رفيع.
وقوله: لها سبعة أبواب : قال رضي الله عنه: أبوابها أطباق بعضها فوق بعض. علي
لكل باب منهم جزء مقسوم أي: لكل منزل على قدر منزلته من الذنب.
وأسماء الأبواب فيما ذكره المفسرون: جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم [ ص: 636 ] السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
وقوله: إخوانا على سرر متقابلين أي: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، عن وغيره. مجاهد،
لا يمسهم فيها نصب أي: تعب.
وقوله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم : جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون، فقال: "أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار؟!"، فشق ذلك عليهم؛ فنزلت الآية.