التفسير:
قوله تعالى: إنا منكم وجلون أي: فزعون.
فلا تكن من القانطين : (القنوط): اليأس من رحمة الله.
وقوله تعالى: إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين : قيل: معنى: {قدرنا}: علمنا، وقيل: هو على بابه؛ أي: هو تقديرنا.
وتقدم معنى {الغابرين}.
وقوله: قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون أي: يشكون؛ يعني: العذاب.
وقوله: مقطوع مصبحين أي: عند الصبح.
وقوله: أولم ننهك عن العالمين أي: عن ضيافة أحد من العالمين.
[ ص: 644 ] وقوله: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون : (العمر) و (العمر) واحد، إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح، ومعناه: مدة بقائه حيا، [فإذا قيل لأحد من المخلوقين: لعمرك؛ فإنما معناه: مدة بقائه]، وكره كثير من العلماء أن يقول الإنسان: (لعمري) ؛ لأن معناه: وحياتي، وكذلك قال معنى {لعمرك}: وحياتك، وهذا ابن عباس: فأقسم الباري عز وجل بحياته صلى الله عليه وسلم. من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم التي اختص بها،
وقوله: لفي سكرتهم يعمهون أي: لفي جهلهم وغفلتهم يتحيرون.
وقوله: فأخذتهم الصيحة مشرقين : يقال: (شرقت الشمس) ؛ إذا طلعت، و (أشرقت) ؛ إذا أضاءت، وقيل: هما لغتان بمعنى، و (الصيحة): العذاب، وتقدم ذكر {سجيل}.
وقوله: إن في ذلك لآيات للمتوسمين أي: المتفرسين، قتادة: المعتبرين، المتفكرين، ابن زيد: الناظرين، الضحاك: المتبصرين. أبو عبيدة:
وحقيقة (المتوسم): الناظر في السمة الدالة؛ فمعنى (توسمت): نظرت نظر متثبت.
[ ص: 645 ] وقوله تعالى: وإنها لبسبيل مقيم أي: وإن مدينة قوم لوط لبطريق واضح.
وقيل: المعنى: وإن الآيات لبطريق واضح، يمر بها كل مجتاز، قاله وغيره. مجاهد،
إن في ذلك لآية للمؤمنين أي: إن في صنيعنا بقوم لوط لآية للمؤمنين.
وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين : {الأيكة}: الشجرة، عن وغيره، وجمعها (الأيك). الحسن،
وقيل: هي الشجر الملتف، وروي: أن شجرهم كان ذو ماء.
وقيل: {الأيكة}: اسم القرية، وقيل: اسم البلدة، وتقدم خبر شعيب وقومه.
وقوله: وإنهما لبإمام مبين يعني: مدينة قوم لوط، وبقعة أصحاب الأيكة.
قال وغيره: المعنى: وإنهما لبطريق يؤم، ويتبع. ابن عباس،
تمرون عليهما في أسفاركم. الضحاك:
وقيل: المعنى: وإنهما لفي الكتاب السابق؛ أي: قد سبق ما جرى من أمرهما في أم الكتاب.
وقوله تعالى: ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين : {الحجر}: مدينة ثمود، عن الزهري.
هو الوادي الذي فيه قتادة: مدينة ثمود.
[ ص: 646 ] وقوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني : قال رضي الله عنه، علي وغيرهما: يعني: أم القرآن، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأبو هريرة،
ابن عباس، وغيرهما: يعني: السبع الطوال من أول القرآن. وابن مسعود،
فـ {من} على القولين يجوز أن تكون للتبعيض، ويجوز أن تكون لبيان الجنس.
وقيل: لأن الله عز وجل استثناها لأمة وسميت أم القرآن مثاني؛ لأنها تثنى في كل صلاة، محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يعطها أحدا قبلهم، وسميت السبع الطوال مثاني؛ لأن الفرائض والقصص تثنى فيها؛ وهي من (البقرة) إلى (الأعراف) ست، واختلف في السابعة؛ فقيل: هي (يونس)، وقيل: هي (الأنفال) و (براءة) ؛ وكانتا سورة واحدة.
ويجوز أن يكون {المثاني} القرآن كله؛ كما قال في موضع آخر: كتابا متشابها مثاني [الزمر: 23]، سمي أيضا مثاني؛ لأن الأخبار تثنى فيه، فتكون {من} للتبعيض.
وقوله تعالى: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي: استغن بالقرآن عما في أيدي الأغنياء، وتقدم القول في معنى (الأزواج).
وقوله: ولا تحزن عليهم أي: لا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا.
وقيل: المعنى: لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا؛ فلك في الآخرة أفضل منه.
[ ص: 647 ] وقوله: واخفض جناحك للمؤمنين أي: ألنه لهم.
وقوله: كما أنـزلنا على المقتسمين : [أي: وقل: إني أنا النذير المبين ما جئتكم به، أنذركم عذابا كما أنزل على المقتسمين].
قال وغيره: يعني بـ {المقتسمين}: أهل الكتاب، اقتسموه، فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه. ابن عباس،
وقيل: هم كفار قريش، عضوا القرآن؛ أي: فرقوا القول فيه؛ فقال بعضهم: هو سحر، وبعضهم: شعر، وبعضهم: أساطير الأولين، عن وغيره. قتادة،
هم أهل الملل. مجاهد:
هم أهل الكتاب، اقتسموا القرآن؛ فقال بعضهم: هذه السورة لي، وقال الآخر: هذه السورة لي؛ استهزاء. عكرمة:
هم قوم ابن زيد: صالح، تقاسموا على تبييته.
وقيل: هم قوم من المشركين، اقتسموا على طريق مكة ينفرون الناس عن [ ص: 648 ] النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال بعضهم: هو ساحر، [وقال بعضهم: هو شاعر]، وقال بعضهم: هو مجنون؛ فأنزل الله تعالى بهم عذابا أهلكهم، روي معناه عن وقال: كانوا اثني عشر، وقال بنحوه ابن عباس، الفراء.
وقيل: هم قوم أقسموا ألا يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قوله: {عضين}: مفرقا؛ بالإيمان ببعضه، والكفر ببعضه، أو بتفريقهم القول في القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم، حسب ما تقدم.
وواحد {عضين}: (عضة)، والمنقوص منه لام الفعل، وهي واو، فهو مثل: (عزة) و (عزين).
هو مأخوذ من (العضاه) ؛ وهي شجر، قال: والعرب تقول: (عضيت الشيء) ؛ إذا وزعته، و (عضيت الذبيحة) ؛ إذا قطعتها أعضاء، و (العضة): القطعة منها، والجمع: (عضون). الفراء:
[ ص: 649 ] هو مأخوذ من (الأعضاء) ؛ والمعنى: أنهم فرقوا القول فيه. أبو عبيدة:
وقوله تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين يعني: الذين جعلوا القرآن عضين؛ أي: لنسألنهم في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، وقيل: هي عامة.
وقوله: فاصدع بما تؤمر : قال أي: مجاهد: ومنه: (صدع بالشيء) ؛ إذا أظهره، ومنه قيل للصبح: (صديع). اجهر بالقرآن في الصلاة،
وقيل: المعنى: اصدع الباطل بما تؤمر؛ أي: افرقه.
وقوله: إنا كفيناك المستهزئين : قيل: هم خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن عبد المطلب، وفي خبر آخر: كانوا ستة، زيد فيهم: الحارث بن عيطلة.
ويروى: أنهم مروا على النبي صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا، فجعل جبريل يقول: كيف هذا؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بئس عبد الله"، فيقول له جبريل: كفيناكه، فتعلق برداء الوليد سهم، فذهب ليجلس؛ فقطع أكحله؛ فمات منه، وضرب الأسود ابن عبد يغوث بغصن فيه شوك في وجهه؛ فسالت حدقتاه، ووطئ [ ص: 650 ] العاصي بن وائل شوكة؛ فتساقط لحمه عن عظامه؛ فمات، وأما الأسود بن عبد المطلب، وعدي بن قيس؛ فقام أحدهما من الليل، فشرب من جرة حتى انفتق بطنه، فمات، ولدغت الآخر حية؛ فمات، قال هلكوا في ليلة واحدة. ابن عباس:
وقوله تعالى: فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين أي: وال العبادة إلى الممات.