التفسير :
قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض الآية : قوله تعالى :
قوله : ائتوني بكتاب من قبل هذا أي : فيه برهان ما قلتم .
أو أثارة من علم : قال : عن النبي صلى الله عليه وسلم : ابن عباس «هو خط كانت [ ص: 129 ] تخطه العرب في الأرض » ، وروي : أن نبيا من الأنبياء كان يخط بإصبعيه السبابة والوسطى في الرمل ، ويزجر .
وعن أيضا : ابن عباس أو أثارة يعني : أو بقية .
: المعنى : شيء يثار ويستخرج . الحسن
: أحد يأثر علما . مجاهد
و (الأثارة ) : مصدر ؛ كـ (السماحة ) ، ومن قرأ : {أثرة} ؛ فهو بمعنى : (أثر ) ؛ كـ (قترة ، وقتر ) ، ومن قرأ : {أثرة} ؛ جاز أن يكون معناه : [بقية من علم ، وجاز أن يكون معناه ] : شيئا مأثورا من كتب الأولين .
[ ص: 130 ] و (المأثور ) : ما يتحدث به مما صح سنده عمن يحدث به عنه .
وقوله : هو أعلم بما تفيضون فيه أي : بما تقولونه ، عن . مجاهد
وقوله : قل ما كنت بدعا من الرسل أي : أول من أرسل .
وقوله : قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله : قيل : إن معنى الآية : أرأيتم إن كان من عند الله ، وشهد شاهد تثقون به من بني إسرائيل على مثل ما شهد به محمد صلى الله عليه وسلم ، فآمن ، وكفرتم به ؛ [أتأمنون عذاب الله ؟
وقيل : المعنى : أرأيتم إن كان من عند الله ، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ، فآمن ، وكفرتم به ] ، واستكبرتم ، فقوله : {واستكبرتم} : معطوف على قوله : {كفرتم} ، وقوله : على مثله معناه : عليه ، وقد تقدم ذكر أشباهه ، ودل على جواب {أرأيتم} المحذوف : إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، و {أرأيتم} : لفظ موضوع للسؤال والاستفهام ؛ ولذلك لا يقتضي مفعولا .
و (الشاهد من بني إسرائيل ) : قيل : هو ابن سلام ، عن ، الحسن ، وغيرهما . ومجاهد
مسروق : المراد به : موسى ، والتوراة ، وأهل الكتاب ، لا ابن سلام ؛ لأن [ ص: 131 ] السورة مكية ، قال : وقوله : وكفرتم به : مخاطبة لقريش .
: (الشاهد من بني إسرائيل ) : رجل غير ابن سلام ؛ لأن الشعبي ابن سلام إنما أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ، والسورة مكية .
رضيت اليهود بحكم ابن عباس : ابن سلام ، وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شهد لك ؛ آمنا بك ، فسئل ، فشهد ، ثم أسلم .
وقوله : وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه : قال مسروق : هم أهل الكتاب ، وهذا على قول من قال : إن الشاهد أحد بني إسرائيل غير موسى ، ومن قال : إنه موسى عليه السلام ؛ عنى بـ الذين كفروا : مشركي قريش .
: أسلمت الزجاج أسلم ، وغفار ، وجهينة ، ومزينة ؛ فقالت بنو عامر ، وغطفان ، وأشجع ، وأسد : لو كان ما دخلوا فيه خيرا ؛ ما سبقونا إليه ؛ إذ نحن أعز منهم ، وإنما هؤلاء رعاة البهم .
: يعنون : قتادة ، عمارا ، وبلالا ، وأمثالهم . وصهيبا
وقوله : ما سبقونا إليه : يجوز أن يكون من قول الكفار لبعض المؤمنين ، ويجوز أن يكون على الخروج من الخطاب إلى الغيبة .
وقوله : ومن قبله كتاب موسى : الهاء للقرآن ، وهو ما في قوله : إن أتبع إلا ما يوحى إلي .
وقوله : وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا أي : مصدق لكتاب موسى ، ثم [ ص: 132 ] حذف ؛ لأن قبله : ومن قبله كتاب موسى ، و {عربيا} : حال ، و {لسانا} : توطئة للحال ؛ أي : تأكيد ، وقيل : إن {لسانا} مفعول ؛ والمراد به : النبي صلى الله عليه وسلم ؛ على تقدير : ذا لسان .
وتقدم ذكر قوله : ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ، وفي من نزلت .
وقوله : حملته أمه كرها أي : بمشقة .
وقوله : قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي : روي : أن المراد بها أبو بكر رضي الله عنه ، أيقن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ابن عشرين سنة ، وسافر معه إلى الشام ، وأخبره الراهب بنبوته ، وأسلم والداه .
وقوله : في أصحاب الجنة أي : يفعل بهم فعله في أصحاب الجنة .
والذي قال لوالديه أف لكما الآية : قال : نزلت في ابن ابن عباس ، قال له : أتعدني أن أبعث بعد الموت ، قال لأبي بكر الصديق : هو قتادة عبد الرحمن .
[ ص: 133 ] وروي : أن رضي الله عنها أنكرت أن تكون في عائشة عبد الرحمن .
ومن جعلها في عبد الرحمن ، كان قوله بعد ذلك : أولئك الذين حق عليهم القول يراد به : من اعتقد ما تقدم ذكره ، فأول الآية خاص ، وآخرها عام .
وقيل : إن المراد بقوله : أولئك الذين حق عليهم القول : جدعان ابنا وعثمان عمرو ، وهما من أخدان وروي : أن عبد الرحمن [بن أبي بكر ، عبد ] الرحمن قال : ليتهما نشرا لي حتى أسألهما عن صدق ما قال محمد ؛ فنزلت الآية .
وقوله : ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا : [أي : يقال لهم : أذهبتم طيباتكم ] [في حياتكم الدنيا ] ؛ أي : لم تعطوا منها ما أوجبه الله عز وجل عليكم .
وقوله : إذ أنذر قومه بالأحقاف : (الأحقاف ) : جمع ( حقف ) ؛ وهو ما [ ص: 134 ] استطال من الرمل ، ولم يبلغ أن يكون جبلا .
: (الأحقاف ) : جبل يكون ابن عباس بالشام ، وعنه أيضا : أنها واد بين عمان ومهرة .
: هي جبال مشرفة بالشحر ، والشحر : قريب من عدن . قتادة
وقوله : فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا : يريد : أنهم قالوا ذلك حين رأوا ما أوعدوا به من العذاب ، وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاءهم منه يكون غيثا ، قاله ابن عباس .
وقوله : تدمر كل شيء بأمر ربها أي : كل شيء أمرت بإهلاكه .
وقوله : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه : [قيل : إن {إن} زائدة ، وقيل : إن (ما ) بمعنى : (الذي ) ، و {إن} بمعنى : (ما ) ؛ والتقدير : ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ] .
وقوله : بل ضلوا عنهم أي : ضلت عنهم آلهتهم ؛ لأنها لم يصبها ما أصابهم ؛ إذ هي جماد .
وذلك إفكهم أي : والآلهة التي ضلت عنهم هي إفكهم في قولهم : إنها تقربهم إلى الله زلفى .
[ ص: 135 ] وقوله : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن الآيات :
قال : هم ركب من جن نصيبين ، وهم أشراف الجن وساداتهم ، أتوا حين حرست السماء من استراق السمع يستخبرون ما أوجب ذلك ، فجاءوا وادي نخلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر ، وكانوا سبعة ، فسمعوا ، وانصرفوا إلى قومهم منذرين ، ولم يعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم . ابن عباس
: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليهم ، وروي : أنه لم يكن معه غير قتادة ، ابن مسعود ، وابن عمر ، قرأ عليهم (الرحمن ) ؛ فقالت الجن : لا بشيء من نعمائك نكذب ربنا ؛ فلك الحمد . وجابر بن عبد الله
: ابن مسعود جعلت الجن تهوي ، ورأيت مثل النسور تمشي ، وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم سألته صلى الله عليه وسلم عن ذلك اللغط ؛ فقال : «إنها تدارأت في قتيل قتل بينها » ؛ فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بينها بالحق .
قال وسألوه الزاد ، فقال : ابن مسعود : . «كل عظم لكم عرق ، وكل [ ص: 136 ] روث لكم خضرة » ؛ فقالوا : يا رسول الله ؛ إن الناس تقذرها علينا ؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بها
قال بعض المفسرين : مضى الذين ولوا إلى قومهم منذرين ، ولم يعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : بل أرسلهم .
وقوله : إنا سمعنا كتابا أنـزل من بعد موسى إلى قوله : أولئك في ضلال مبين : من قول الجن .
وقوله : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل : قال مجاهد : أولو العزم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم السلام أجمعين .
ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم .
لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ أي : ذلك بلاغ ، [فيوقف على هذا على {نهار} ، وعلى {بلاغ} .
وذكر أبو حاتم : أن بعضهم وقف على ولا تستعجل ، ثم ابتدأ : {لهم} ؛ على أن المعنى : لهم بلاغ ] ، ويبعد على هذا التقدير الخبر من الابتداء ، ويعترض [ ص: 137 ] بينهما كلام كثير .