التفسير: 
{الواقعة} : القيامة، وجواب {إذا} قوله: فأصحاب الميمنة   . 
ليس لوقعتها كاذبة   : قال  الحسن  وغيره: ليس لوقعتها مثنوية، ولا رجعة. 
 الثوري:  ليس لوقعتها أحد يكذب بها. 
 [ ص: 310 ] وقيل: ليس في الإخبار بوقوعها كذب. 
و {كاذبة} : يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون نعتا، بمعنى: حال كاذبة، أو فرقة كاذبة. 
وقوله: خافضة رافعة   : قال  عكرمة  وغيره: خفضت؛ فأسمعت الأدنى، ورفعت، فأسمعت الأقصى، فكان القريب والبعيد سواء. 
 قتادة:  خفضت أقواما في عذاب الله، ورفعت أقواما إلى طاعة الله. 
 محمد بن كعب:  خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين، ورفعت أقواما كانوا في الدنيا مخفوضين. 
وقوله: إذا رجت الأرض رجا  أي: زلزلت، عن  مجاهد  وغيره، وفي قوله: {رجا} دليل على تكرار الزلزلة.  
وقوله: وبست الجبال بسا  أي: فتت فتا، عن  ابن عباس.  
 مجاهد:  كما يبس السويق. 
 قتادة:  كما يبس الشجر تذروه الرياح. 
وقيل: معناه: سيرت، ومن الحديث:  "جاءكم أهل اليمين يبسون عيالاتهم". 
 [ ص: 311 ] وقوله: فكانت هباء منبثا   : قال  علي  رضي الله عنه: الهباء المنبث: الرهج الذي يسطع من حوافر الدواب، فينبث، فلا يكون شيئا. 
 مجاهد:  هو الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار، وروي نحوه عن ابن عباس، وعنه أيضا: هو ما يطير من النار إذا اضطرمت، يطير منها شرر، فإذا وقع لم يكن شيئا. 
فأصحاب الميمنة   : هم الذين أخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، و أصحاب المشأمة   : هم الذين أخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تقول لليد الشمال: (الشؤمى) ، وللجانب الشمال: (الأشأم) ، وكذلك يقال لما جاء عن اليمين: (اليمن) ، ولما جاء عن الشمال: (الشؤم) . 
وقيل: إنما قال: أصحاب الميمنة  ؛ لأنهم أعطوا كتبهم بأيمانهم، و أصحاب المشأمة  ؛ لأنهم أعطوا كتبهم بشمائلهم. 
وقيل: لأن أصحاب الميمنة ميامين على أنفسهم، و أصحاب المشأمة  مشائيم على أنفسهم. 
 [ ص: 312 ] المبرد: أصحاب الميمنة   : أصحاب التقدم، و أصحاب المشأمة   : أصحاب التأخر، والعرب تقول: اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك؛ أي: اجعلني من المتقدمين، ولا تجعلني من المتأخرين. 
وقيل: إن ذلك مردود إلى ما جاء في الخبر: " إن الله تعالى خلق الطيب من ذرية آدم في الجانب اليمين من آدم، والخبيث في الجانب الشمال منه". 
والتكرير في ما أصحاب الميمنة  و ما أصحاب المشأمة  تعظيم لشأنهم. 
وقوله: والسابقون السابقون   : روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "  {السابقون} : الذين إذا أعطوا الحق، قبلوه، وإذا سئلوه؛ بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم". 
 ابن سيرين:  هم الذين صلوا القبلتين، وقيل: هم المهاجرون الأولون؛ فالمعنى: والسابقون إلى الإيمان بالله [هم] السابقون إلى جنته، [ويجوز أن يكون التقدير: السابقون إلى رحمة الله هم السابقون]، ويجوز أن يكون التكرير تأكيدا. 
 [ ص: 313 ]  مجاهد:  هم السابقون إلى الجهاد، وأول الناس رواحا إلى الصلاة. 
ثلة من الأولين  وقليل من الآخرين   : (الثلة) : الجماعة، مأخوذة من (الثل) ؛ وهو القطع. 
قال  مجاهد:  الجميع من هذه الأمة؛ فالمعنى: فرقة ممن تقدم، وفرقة ممن تأخر. 
وقال  الحسن  وغيره: المعنى: فرقة ممن مضى قبل هذه الأمة، وقليل من الآخرين ممن آمن بمحمد  صلى الله عليه وسلم، وسموا (قليلا) ؛ بالإضافة إلى من كان قبلهم. 
وقيل: المراد بذلك: الأنبياء؛ لأنهم في الأولين أكثر منهم في الآخرين. 
فأما قوله: ثلة من الأولين  وقليل من الآخرين  ؛ فقد روى  ابن عباس:  أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:  "الثلتان جميعا من أمتي". 
وقوله: على سرر موضونة  أي: مصفوفة، عن  ابن عباس،  وعنه أيضا وعن  مجاهد  وغيرهما: مرمولة بالذهب. 
 قتادة:  المرمولة المشبكة بالذهب. 
عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت. 
 [ ص: 314 ] وأصل (الموضونة) : المنسوجة المداخلة المضاعفة؛ كصفة الدرع، و(السرير الموضون) : الذي سطحه بمنزلة المنسوج، وهو ألين من الخشب. 
وقوله: يطوف عليهم ولدان مخلدون   : قال  الحسن:  أي: باقون على سن واحدة، لا يهرمون. 
 مجاهد:  معنى قوله: {مخلدون} : لا يموتون. 
 الفراء:  مقرطون، وقيل: مسورون. 
ومعنى: لا يصدعون عنها   : لا يصيبهم وجع في رءوسهم. 
وتقدم القول في {ينـزفون} . 
وقوله: وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين   : التكرير لتعظيم شأن النعيم الذي هم فيه. 
وقوله: في سدر مخضود  أي: في نبق قد خضد شوكه؛ أي: قطع، قاله  ابن عباس  وغيره. 
وقوله: وطلح منضود   : قال علي رضي الله عنه وغيره: (الطلح) : الموز. 
 [ ص: 315 ]  أبو عبيدة:   (الطلح) : كل شجر عظيم كثير الشوك. 
 الزجاج:  يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. 
ومعنى {ومنضود} : بعضه على بعض. 
وقوله: وظل ممدود  أي: دائم، لا تنسخه الشمس. 
وقوله: وماء مسكوب  أي: جار لا ينقطع. 
وفاكهة كثيرة   : أعيد ذكرها؛ للبيان عن الصفات التي هي عليها في أنها لا [تنقطع، ولا تمنع، ولا] تجيء في حين دون حين، ولا يحظر عليها كثمار الدنيا، وليست بممنوعة ببعد متناول، ولا شوك. 
وقوله: وفرش مرفوعة   : روي في الخبر:  "أن ارتفاعها كما بين السماء والأرض". 
وقيل: إن (الفرش) كناية عن النساء اللواتي في الجنة؛ فالمعنى: ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن، وكمالهن، وعقولهن. 
وقوله: إنا أنشأناهن إنشاء   : قيل: يعني: نساء بني آدم؛ والمعنى: أنشأنا العجوز والصبية إنشاء واحدا، وأضمرن ولم يتقدم ذكرهن؛ لأنهن قد دخلن في أصحاب  [ ص: 316 ] اليمين، أو لأن الفرش كناية عن النساء، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: إنا أنشأناهن إنشاء  قال: "فيهن البكر والثيب"، وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:  "هن العجائز العمش الرمص في الدنيا". 
 أبو عبيدة:  الضمير في {أنشأناهن} يعود على وحور عين  ؛ فالمعنى: إنا خلقناهن من غير ولادة. 
وقوله: فجعلناهن أبكارا  عربا}   : روي:  "أن الرجل من أهل الجنة يجد المرأة بكرا كلما جامعها".  
و(العرب) : جمع(عروب) ، قال  ابن عباس،   ومجاهد،  وغيرهما: (العرب) : العواشق لأزواجهن، وعن ابن عباس أيضا: (العروب) : الملقة،  عكرمة:  الغنجة،  زيد بن أسلم:  الحسنة الكلام،  عكرمة   وقتادة:   (العرب) : المتحببات إلى أزواجهن، وعن  الحسن:  هن العواتق، واشتقاقه من (أعرب) ؛ إذا بين؛ فـ (العروب) : تبين محبتها لزوجها بشكل، وغنج، وحسن كلام. 
 [ ص: 317 ] وقوله: أترابا}  أي: على سن واحدة، عن  ابن عباس  وغيره، وقد تقدم ذكره. 
وقوله: لأصحاب اليمين  أي: أنشأناهن لأصحاب اليمين. 
وقوله: وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال  في سموم وحميم  وظل من يحموم   : (السموم) : الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن، و(الحميم) : الماء الحار. 
و(اليحموم) : دخان شديد السواد، عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما. 
وقيل: هي نار سوداء، وكذلك (اليحموم) في اللغة: الشديد السواد. 
وهو (يفعول) من (الحم) ؛ وهو الشحم المسود باحتراق النار، وقيل: هو مأخوذ من (الحمم) ؛ وهو الفحم. 
وقوله: لا بارد ولا كريم  أي: ليس بكريم المنظر، وكل ما لا خير فيه فليس بكريم. 
وقوله: إنهم كانوا قبل ذلك مترفين  أي: منعمين بالحرام. 
وكانوا يصرون على الحنث العظيم  أي: يقيمون على الشرك، وعن  الحسن  وغيره، وعن  مجاهد:  الذنب العظيم، وقيل: إن إصرارهم على الحنث العظيم  [ ص: 318 ] قسمهم: لا يبعث الله من يموت   [النحل: 38]، كما أخبر الله عنهم. 
وقوله: فشاربون شرب الهيم  يعني: الإبل التي لا تروى؛ لداء يصيبها، واحدها (أهيم) ، والأنثى: (هيماء) ، وبعضهم يقول: (هائم، وهائمة) ، ويجمعه على (هيم) ، وهذا مروي عن  ابن عباس،   وعكرمة،  وغيرهما: أن (الهيم) : العطاش التي لا تروى، وقد روي عن  ابن عباس  أيضا: أن (الهيم) : الهيام من الأرض؛ وهو الرمل، ويقال لكل ما لا يروى من إبل أو رمل: (أهيم، وهيماء) . 
هذا نـزلهم يوم الدين  أي: رزقهم وطعامهم. 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					