الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      تقدم خبر الجن في (الأحقاف) [29- 32] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : وأنه تعالى جد ربنا أي : عظمته ، عن مجاهد وعكرمة وغيرهما ، وعن مجاهد أيضا : ذكره ، وعن أنس بن مالك : غناه .

                                                                                                                                                                                                                                      الطبري : قال بعض أهل التأويل : جهل الجن فيما قالوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا يعنون : إبليس ، عن ابن جريج ، و (الشطط) : الغلو في الكفر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا أي : ظننا أن لن يكذب على الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن هذا من قول الله تعالى في قراءة من [ ص: 496 ] كسر الهمزة ، وهو من قول الجن في قراءة من فتحها؛ والمراد به : ما كانوا يفعلونه من قول الرجل إذا نزل بواد : أعوذ بسيد هذا الوادي- أو بأهله- من شر ما فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فزادوهم رهقا : قال النخعي : أي : ازدادوا عليهم جرأة .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد ، وغيره : ازداد الإنس بهذا فرقا من الجن .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : ازدادوا سفها ، وظلما ، وطغيانا؛ يعني : الإنس .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : ازدادوا خطيئة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : ازدادوا غشيانا للمحارم ، وأصل (الرهق) في اللغة : العيب؛ يقال : (فلان يرهق بكذا) ؛ أي : يعاب به .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا : هذا من قول الله عز وجل للإنس؛ أي : وإن الجن ظنوا أن لن يبعث الله الخلق ، كما ظننتم .

                                                                                                                                                                                                                                      الكلبي : المعنى : ظنت الجن كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا أي : طلبنا خبرها ، كما جرت [ ص: 497 ] به عادتنا ، فوجدناها قد زيد في حرسها ، وهذا من قول الجن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا أي : قد أرصد له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أي : بهذا الحرس الذي حرست [به] السماء ، أم أراد بهم ربهم رشدا : قال ابن زيد : قال إبليس : لا أدري هل أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا أو يرسل إليهم رسولا؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك : هذا من قول الجن؛ والمعنى : ومن دون الصالحين في الصلاح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كنا طرائق قددا أي : أهواء مختلفة ، و (القدد) : الضروب والأجناس المختلفة ، وواحد {طرائق} : (طريقة) ؛ والمعنى : كنا ذوي طرائق ، وواحد (قدد) : (قدة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض أي : أيقنا أنا لا نفوته بهرب ، ولا غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا أي : نقصانا ، {رهقا} أي : ظلما .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، ولا أن يزاد في سيئاته .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 498 ] وقوله : ومنا القاسطون أي : الجائرون .

                                                                                                                                                                                                                                      وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه : هذا من قول الله تعالى ، قيل : معناه : لو استقاموا على طريقة الحق؛ لوسعنا عليهم في الرزق ، روي معناه عن مجاهد وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : المعنى : لو أقاموا على طريقة الكفر؛ لوسعنا عليهم في الرزق؛ استدراجا لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : معنى قوله : لأسقيناهم ماء غدقا : لأعطيناهم مالا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ابن جبير : ماء كثيرا] .

                                                                                                                                                                                                                                      لنفتنهم فيه أي : لنختبرهم ، فنعلم شكرهم وكفرهم علم شهادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا : قال ابن عباس : (الصعد) : جبل في النار ، [وعنه أيضا : أن المعنى : مشقة من العذاب ، وذلك معلوم في اللغة : أن (الصعد) : المشقة .

                                                                                                                                                                                                                                      الخدري : هو جبل في النار] ، كلما جعلوا أيديهم عليه؛ ذابت .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 499 ] وأن المساجد لله : قيل : هو مردود إلى : قل أوحي إلي ؛ أي : وأوحي إلي أن المساجد لله ، وقيل : معناه : ولأن المساجد لله؛ فلا تدعوا مع الله أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون {المساجد} جمع (مسجد) ؛ ويراد بـ (المسجد) : السجود ، ويجوز أن تكون {المساجد} التي يصلى فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض المفسرين : إنها الآراب التي يسجد عليها ، وهو بعيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا : يجوز أن يكون هذا من قول الله عز وجل ، ويجوز أن يكون إخبارا عن الجن .

                                                                                                                                                                                                                                      و عبد الله : يراد به : محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى كادوا يكونون عليه لبدا أي : اجتمعوا عليه؛ ليسمعوا قراءته .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد : معنى قوله : {لبدا} : جماعات ، وهو من (تلبد الشيء على الشيء) ؛ أي : تجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : {لبدا} : أعوانا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : كاد المشركون يركب بعضهم بعضا؛ حردا على النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      واختار الطبري أن يكون المعنى : كادت العرب يجتمعون على النبي [ ص: 500 ] عليه الصلاة والسلام ، ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا أي : ملجأ ألجأ إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      إلا بلاغا من الله ورسالاته : هذا مردود إلى قوله : قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ؛ أي : لا أملك لكم إلا أن أبلغكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل إن أدري أقريب ما توعدون الآية : يعني : قيام الساعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول أي : فإنه يظهره على ما شاء من غيبه .

                                                                                                                                                                                                                                      فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا أي : ملائكة يحفظونه .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : إذا بعث الملك إلى النبي؛ بعث معه ملائكة يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه؛ لئلا يتشبه له الشيطان في صورة الملك ، روي معناه عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم أي : ليعلم الرسول أن الرسل قد بلغت الرسالة ، وحفظوا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 501 ] مجاهد : المعنى : ليعلم من كذب ذلك أن الرسل قد بلغت رسالات ربها ، وحفظت من استراق السمع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : ليعلم الله ذلك علم شهادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأحاط بما لديهم ؛ أي : أحاط علمه بما عندهم؛ أي : بما عند الرسل قبل محمد .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير : المعنى : ليعلم الرسل أن ربهم قد أحاط بما لديهم؛ فيبلغوا رسالاته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأحصى كل شيء عددا أي : أحاط بعدد كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية