الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4909 باب الدعاء عند الكرب

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب دعاء الكرب) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 47 جـ 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن نبي الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ كان يقول - عند الكرب -) : بفتح الكاف وسكون الراء، وهو ما يدهم الإنسان: فيأخذ بنفسه، فيغمه ويحزنه.

                                                                                                                              [ ص: 484 ] (لا إله إلا الله العظيم) : المطلق، البالغ أقصى مراتب العظمة.

                                                                                                                              الذي لا يتصوره عقل، ولا يحيط بكنهه بصيرة.

                                                                                                                              (الحليم) : الذي لا يستفزه غضب، ولا يحمله غيظ على استعجال العقوبة، والمسارعة إلى الانتقام.

                                                                                                                              (لا إله إلا الله، رب العرش العظيم) بالجر صفة للعرش. ووصفه "بالعظمة": لأنه أعظم خلق الله مطافا: لأهل السماء. وقبلة للدعاء. وضبطه بعضهم: بالرفع، نعتا للرب.

                                                                                                                              قال أبو بكر الأصم : جعل "العظيم" صفة للرب أولى من جعله صفة للعرش.

                                                                                                                              (لا إله إلا الله، رب السماوات، ورب الأرض، رب العرش الكريم) وصفه بالكرامة: لأن الرحمة تنزل منه. أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين.

                                                                                                                              قال الشوكاني : فيه: مشروعية الدعاء: بما اشتمل عليه، لمن نزل به كرب. وبعد فراغه منه: يدعو بأن يكشف الله عنه كربه، ويذهب ما [ ص: 485 ] أصابه، ويدفع ما نزل به. ولعل قوله "دعاء الكرب": هو باعتبار "رواية أبي عوانة "، حيث قال: "ثم يدعو بعد ذلك". لأن هذا المذكور: ذكر، وليس بدعاء. انتهى.

                                                                                                                              وقال القسطلاني : وقد صدر هذا الثناء بذكر الرب، ليناسب كشف الكرب. لأنه مقتضى التربية. ووصف الرب "بالعظمة والحلم"، - وهما صفتان مستلزمتان: لكمال القدرة، والرحمة، والإحسان والتجاوز، ووصفه "بكمال ربوبيته" الشاملة: للعالم العلوي، والسفلي. "والعرش" الذي هو سقف المخلوقات، وأعظمها، "وحلمه": يستلزم كمال رحمته، وإحسانه إلى خلقه، فعلم القلب، ومعرفته بذلك: يوجب محبته، وإجلاله، وتوحيده. فيحصل له من الابتهاج، واللذة، والسرور: ما يدفع عنه ألم الكرب، والهم، والغم.

                                                                                                                              فإذا قابلت: بين ضيق الكرب، وسعة هذه الأوصاف "التي تضمنها هذا الحديث": وجدته في غاية المناسبة، لتفريج هذا الضيق، وخروج القلب: إلى سعة البهجة والسرور.

                                                                                                                              وإنما يصدق هذه الأمور: من أشرقت فيه أنوارها، وباشر قلبه حقائقها. أشار إليه في "زاد المعاد".

                                                                                                                              قال في (الكواكب) : فإن قلت: هذا ذكر لا دعاء، قلت: هو ذكر، يستفتح به الدعاء بكشف كربه. ثم يدعو بما شاء.

                                                                                                                              [ ص: 486 ] وقال " سفيان بن عيينة ": أما علمت أن الله، قال: "من شغله ذكري عن مسألتي: أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" .

                                                                                                                              قال الشاعر:


                                                                                                                              إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء

                                                                                                                              قال النووي : هذا الحديث: جليل، ينبغي الاعتناء به، والإكثار منه: عند الكرب، والأمور العظيمة. قال الطبري: كان السلف يدعون به، ويسمونه: "دعاء الكرب". انتهى.

                                                                                                                              قلت: ومن دعوات الكرب: ما رواه أبو داود، وصححه ابن حبان؛ عن أبي بكرة، يرفعه: "اللهم ! رحمتك أرجو. فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين. وأصلح لي شأني كله. لا إله إلا أنت".

                                                                                                                              ومنها: "الله الله ربي، لا أشرك به شيئا". رواه أصحاب السنن - إلا الترمذي -: من حديث "أسماء بنت عميس"؛ قالت: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أعلمك كلمات، تقوليهن عند الكرب؟".

                                                                                                                              ولابن أبي الدنيا (كتاب الفرج بعد الشدة) : فائق في معناه.

                                                                                                                              ومنها: "يا حي ! يا قيوم ! برحمتك أستغيث". وقد جربته مرارا، فوجدته ترياقا، لا يتخلف أبدا، إن شاء الله تعالى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية