الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4798 باب تصريف الله القلوب كيف شاء

                                                                                                                              ومثله في النووي .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 203، 204 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هانئ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء».

                                                                                                                              ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اللهم! مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك») .


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين، من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) .

                                                                                                                              قال النووي : هذا من أحاديث الصفات، وفيها القولان:

                                                                                                                              أحدهما: الإيمان بها، من غير تعرض لتأويل، ولا لمعرفة المعنى.

                                                                                                                              [ ص: 399 ] بل يؤمن بأنها حق، وأن ظاهرها غير مراد، قال تعالى: ( ليس كمثله شيء ) .

                                                                                                                              والثاني: يتأول بحسب ما يليق بها، فعلى هذا: المراد المجاز، كما يقال: «فلان في قبضتي، وفي كفي» لا يراد به أنه حال في كفه، بل المراد: تحت قدرتي، ويقال: «فلان بين إصبعي، أقلبه كيف شئت» أي: إنه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت.

                                                                                                                              قال: فمعنى الحديث: أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء، لا يمتنع عليه منها شيء، ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه، فخاطب العرب بما يفهمونه، ومثله بالمعاني الحسية؛ تأكيدا له في نفوسهم.

                                                                                                                              قال: فإن قيل: فقدرة الله تعالى واحدة، والإصبعان للتثنية. فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة، فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه، وغير مقصود به التثنية والجمع. والله أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله.

                                                                                                                              وأقول: نصوص الكتاب والسنة في مثل هذه الصفة وغيرها من الصفات الأخر، الثابتة من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم:

                                                                                                                              [ ص: 400 ] تحمل على ظواهرها، تترجم بلغة أخرى على ألفاظها، ولا يجب تأويلها، وكان الله تعالى قادرا على أن لا يتكلم بعبارة ظاهرها خلاف التنزيه، ولا يتفوه بإشارة توجب التأويل، ولكنه سبحانه بين لنا من محامد ذاته المقدسة، ومكارم صفاته الحسنى: ما يجب علينا الإيمان به، من غير صرفه إلى احتمالات وتأويلات، تخطر ببال أحدنا من غير حجة ولا برهان، لا من سنة صحيحة، ولا من قرآن، فما لنا ولهذه التكلفات الباردة؟ لاسيما مع قوله سبحانه: ليس كمثله شيء ، ولم يكن له كفوا أحد فإن هاتين الجملتين المجملتين الكريمتين: تستأصلان كل تشبيه وتأويل، وتثبتان كل تنزيه من غير تكييف ولا تعطيل.

                                                                                                                              وقد وردت الأحاديث الصحيحة: في إثبات الأصابع، واليدين، والعين، والرجل، والقدم، ونحو ذلك، مما يكثر تعداده، وهي مفصلة في كتاب «الجوائز والصلات» فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يذر طريقة السلف، ويمشي على جادة الخلف، ويرضى بالتعطيل بإيثار التأويل، أو يسر التشبيه والتمثيل ويخالف ظاهر السنة السنية، الغراء البيضاء، التي ليلها كنهارها، وظاهر التنزيل.

                                                                                                                              فالممثل: [ ص: 401 ] يعبد صنما. والمعطل: يعبد عدما. والموحد: يعبد ربا صمدا، لا مثل له ولا ند. ولا شبه له ولا ضد.

                                                                                                                              (ثم قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: «اللهم! مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك») .

                                                                                                                              فيه: إثبات تصرفه تعالى على قلب القلوب من العباد إلى الطاعات، وأنه سبحانه هو الموفق لذلك، كما قال تعالى: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .

                                                                                                                              وفيه: الحث على الدعاء، وطلب الخير، والشفاء، والحفظ من الإثم وأسباب الشقاء.

                                                                                                                              وفيه: إشارة إلى شمول ذلك للعباد، حتى الأنبياء، ودفع توهم من يتوهم أنهم يستثنون من ذلك. قاله البيضاوي .

                                                                                                                              وفيه أن أعراض القلوب وأغراضها من إرادة وغيرها: تقع بخلق الله تعالى، وجواز تسمية الله بما ثبت في الحديث وإن لم يتواتر، كمصرف القلوب، ومقلب القلوب، وغيرهما.




                                                                                                                              الخدمات العلمية