الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4705 باب في جعل دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، على المؤمنين :

                                                                                                                              زكاة ورحمة

                                                                                                                              وقال النووي : (باب من لعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو سبه ، أو دعا عليه . أو ليس هو أهلا لذلك : كان له زكاة وأجرا ، ورحمة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص150 ج16 ، المطبعة المصرية (عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان ، فكلماه بشيء ، لا أدري ما هو ، فأغضباه ، فلعنهما وسبهما . فلما خرجا ، قلت : يا رسول الله ! لمن أصاب من الخير شيئا ، ما أصابه هذان . قال : "وما ذاك" قالت : قلت : لعنتهما ، -وسببتهما- . فقال : "أو ما علمت : ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم ! إنما أنا بشر . فأي المسلمين لعنته ، أو سببته : فاجعله له زكاة ، وأجرا" ) .

                                                                                                                              [ ص: 200 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 200 ] (الشرح)

                                                                                                                              فيه : ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم : من الشفقة على أمته ، والاعتناء بمصالحهم ، والاحتياط لهم ، والرغبة في كل ما ينفعهم .

                                                                                                                              قال النووي : وإنما يكون دعاؤه عليه : رحمة وكفارة ، وزكاة ، ونحو ذلك : إذا لم يكن أهلا : للدعاء عليه ، والسب ، واللعن ، ونحوه . وكان مسلما . وإلا ، فقد دعا صلى الله عليه وآله وسلم على الكفار ، والمنافقين ، ولم يكن لهم ذلك "رحمة" .

                                                                                                                              فإن قيل : كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه ، أو يسبه ، أو يلعنه ، ونحو ذلك ؟

                                                                                                                              فالجواب : ما أجاب به العلماء . ومختصره وجهان ؛

                                                                                                                              أحدهما : أن المراد : ليس بأهل لذلك ، عند الله تعالى . وفي باطن الأمر . ولكنه في الظاهر : مستوجب له . فيظهر له صلى الله عليه وآله وسلم : استحقاقه لذلك ، بأمارة شرعية . ويكون في باطن الأمر : ليس أهلا لذلك . وهو صلى الله عليه وآله وسلم ، مأمور بالحكم بالظاهر . والله يتولى السرائر .

                                                                                                                              والثاني : أن ما وقع من سبه ، ودعائه ، ونحوه : ليس بمقصود . بل هو مما جرت به عادة العرب ، في وصل كلامها بلا نية ، كقوله : "تربت يمينك . وعقرى وحلقى" وفي حديث آخر : "لا كبرت سنك" . وفي [ ص: 201 ] حديث معاوية : "لا أشبع الله بطنه" . ونحو ذلك . يقصدون بشيء من ذلك : حقيقة الدعاء . فخاف صلى الله عليه وآله وسلم ؛ أن يصادف شيء من ذلك إجابة . فسأل ربه "سبحانه وتعالى" ، ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة ، وكفارة ، وقربة ، وطهورا .

                                                                                                                              وإنما كان يقع هذا منه في النادر ، والشاذ من الأزمان . ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم فاحشا ، ولا متفحشا ، ولا لعانا ، ولا منتقما لنفسه .

                                                                                                                              وفي حديث آخر : (أنهم قالوا : ادع على دوس ، فقال : "اللهم ! اهد دوسا" وقال : "اللهم ! اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون") . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية