الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في عتق أحد الشريكين نصيبه بتلا وهو موسر ، ثم أعتق الثاني إلى أجل]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه بتلا وهو موسر ، ثم أعتق الثاني إلى أجل ، فقال ابن القاسم : يخير الثاني بين أن يسقط الأجل ويبتل نصيبه ، أو يقوم على الأول ، وقال غيره : يبتل على الثاني .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : والأول أحسن; لأن الثاني لم يلتزم العتق إلا على صفة فإن [ ص: 3795 ] أجيزت وإلا ردت .

                                                                                                                                                                                        ويختلف على هذا إذا دبر الثاني أو كاتب ، فعلى قول ابن القاسم : يخير الثاني بين أن يسقط التدبير والمال عن المكاتب ، ويبتل العتق أو يقوم على الأول ، وعلى قول غيره : يبتل على الثاني .

                                                                                                                                                                                        فإن غفل عن النظر في ذلك حتى مضى الأجل ، أو لم ينظر في ذلك حتى عسر الأول مضى التدبير ، ولم يرد ولا قيمة على الأول ، وكذلك إن مات الثاني والثلث يحمله مضى عتقه وسقط التقويم ، وإن حمل بعضه قوم على الأول ما عجز عنه ثلث الثاني ، وإن كان عليه دين يرقه قوم على الأول ، فإن أعسر الأول في حياة المدبر ولم يرد التدبير ، وكذلك لو كان جميع العبد لرجل فأعتق نصفه بتلا ثم أعتق نصفه الثاني إلى أجل ثم لم ينظر في ذلك حتى أعسر واستدان لمضى العتق إلى أجله ، وتباع الخدمة للغرماء لو لم يستكمل عليه حتى استدان لبيع للغرماء ، فكذلك إذا أعتق إلى أجل وبقيت خدمته بيعت للغرماء ، وكذلك إذا أعتق نصفا بتلا ثم دبر نصفا فلم ينظر في ذلك حتى أعسر واستدان ، فإنه يمضي على تدبيره وليست الكتابة كذلك; لأنه لو أعتق أحد الشريكين بتلا وهو موسر، ثم كاتب الثاني فلم ينظر في ذلك حتى أدى [ ص: 3796 ] الكتابة لرد إلى العبد المال واستكمل على الأول ، على قول ابن القاسم وبتل على الثاني على قول غيره; لأن المعتق بعضه لا ينزع ماله ، ومن حقه أن يبقي ماله بيده ويستكمل له العتق وإنما فعل ذلك عند عدم من يوفي له بحقه وليستكمل له العتق إلا أن يعسر الأول قبل رد المال فتمضي الكتابة ، وسواء رد المال أو لم يرد; لأن الاستكمال سقط بالعسر والكتابة تسقط الدين ، وصارت بمنزلة عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو معسر وكاتب الثاني وإن لم يكن أدى شيئا كان للغرماء أخذ الكتابة ، وكذلك لو كان جميعه له فأعتق نصفه ، وهو موسر ثم كاتب نصفه فلم ينظر في ذلك حتى أعسر ، واستدان فإنه تمضي كتابته كان قد أدى الكتابة أو لم يؤد وتباع الكتابة للغرماء ، ولو كانت أمة فأعتق أحدهما ثم أولد الثاني ، سقط التقويم عن الأول وأعتق نصيب الثاني بتلا; لأن أم الولد إذا سقط منها الوطء عجل عتقها .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يكون للأول نصف ولاء الولد؟

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم في كتاب محمد : ولاء الولد بينهما ، وقال محمد : ولاء الولد كله للثاني وعليه نصف ما نقصها اغتصابه ووطؤه ليكون ذلك بيد الجارية .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : محمل قول ابن القاسم إذا عدم النسب والولاء ممن أعتق [ ص: 3797 ] الأم فيعود إليه ولاء نصفه ويكون بمنزلتها لو حملت بعد أن أعتق جميعها ، فإن ولاء ولدها إذا عدم النسب لمن أعتق الأم ، ولو أعتق الأول إلى أجل ووطئ الثاني وحملت منه لكان للأول على الثاني قيمة نصف الولد ويكون ولاء الولد كله للثاني ولا شيء للأول منه; لأن الأول أخذ قيمة نصيبه منه ولا يعود إلى الأول شيء من ولاء الولد ، وإن عدم النسب والولاء من جهة الأب بخلاف المسألة الأولى وذلك كالبيع ، وسواء كان الأول موسرا أو معسرا ثم يعتق نصيب الثاني من الأمة ، ولو أولد الأول وأعتق الثاني نصيبه بتلا أو إلى أجل ، فإن كان الأول موسرا بطل عتق الثاني وكان له على الأول نصف قيمتها ، وكان جميعها أم ولد للأول ، وإن كان الأول معسرا جرت على قولين ، فقال مرة : هو كالموسر فعلى هذا يبطل عتق الثاني ، وليس له إلا القيمة على الأول ، وقال مرة : إن للثاني ألا يقوم على الأول ، وعلى هذا يمضي عتق الثاني ، ثم يختلف هل يكون له نصف قيمة الولد ونصف ما نقصتها الولادة أو يكون له نصف قيمة الولد خاصة أو لا يكون له عليه شيء . [ ص: 3798 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية