الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما يحرم على المحرم التطيب به]

                                                                                                                                                                                        ولا يتطيب المحرم بطيب مؤنث كالكافور والمسك والزعفران ، فإن فعل افتدى . ويتعمد شمه ، فإن فعل فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا مسه ولم يعلق بيده أو علق بيده ، أو شربه أو أكله في طعام . فقال مالك : إن مسه افتدى . قيل لابن القاسم : وإن لم يلصق بيده ؟ فقال : قال مالك : إن مسه افتدى .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب : إن مسه فعلق بيده ريحه ولم يتلف منه شيء ؛ لم تلزمه فدية . [ ص: 1295 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الحسن ابن القصار : إن تطيب أو لبس ثيابا ، ثم نزع اللباس وغسل الطيب بالحضرة ؛ فلا شيء عليه . والصواب ألا شيء في المس إذا لم يعلق باليد ، أو علق فغسله بالحضرة ، أو لم يغسله وكان يسيرا لا تظهر رائحته ليسارته ؛ لأن النهي إنما ورد في التطيب في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ولا تلبسوا شيئا مسه ورس ولا زعفران" . فهو مستهلك في الثوب ، إلا أن رائحته تشم على لابسه .

                                                                                                                                                                                        وقد قال مالك فيمن جعل ثوبه في تابوت فيه طيب ، فعلقت فيه رائحته فلبسه : افتدى . لأنه الوجه الذي ورد فيه النهي . وقال مالك فيمن أصابه خلوق الكعبة : يغسله ، ولا شيء عليه ، وله تركه إن كان يسيرا . فأباح ترك اليسير ؛ لأنه لا يشم منه كبير رائحة .

                                                                                                                                                                                        وإن أكل طعاما فيه طيب ، فإن كان مسته النار فلا شيء عليه ؛ لأن النار تذهب رائحته أو يبقى ما لا خطب له . واختلف إذا لم تمسه النار ، هل تكون عليه فدية أم لا ؟ وألا شيء عليه أحسن ؛ لأنه لا يكون بأكله متطيبا ، وهو بمنزلة من مسه ثم غسله بالحضرة ، فهذا مسه لملاقاته لفمه حين الأكل ، ثم ذهبت بالحضرة .

                                                                                                                                                                                        ويكره ما كان غير مؤنث كالرياحين والورد والياسمين ، ولا فدية فيه إن مسه أو شمه أو علق شيء به قال ابن القاسم : ولا بأس أن يتوضأ [ ص: 1296 ] بالحرض . وهو : الأشنان .

                                                                                                                                                                                        ولا بأس أن يعالج المريض الجراح وغيرها بدواء فيه طيب . قال مالك : ويفتدي . والمعروف في هذا الأصل في كل ما ألجئ إليه ولم يقصد الانتفاع به ألا فدية عليه ، كالذي يحمل زاده على رأسه ، ويجعل المنطقة لنفقته ، ويحمل السيف عند الخوف ، ولا شيء عليه ، وفي كلها الفدية عنده مع الاختيار ، فعلى قوله في الذي يعالج بما فيه طيب الفدية- تجب الفدية على حامل زاده ، وحامل السيف ، والمنطقة وإن لم يفعل ذلك اختيارا ، وعلى قوله ألا فدية على هؤلاء ؛ لا يكون على من يعالج بما فيه طيب فدية . وألا فدية على جميعهم أحسن ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين" . وأباح أن يستر ظهور قدميه عند عدم النعلين ؛ لأنه لم يقصد الانتفاع بذلك ، وإنما قصده دفع الحفي . وهو لا يقدر على ذلك عند عدم النعلين إلا بما يستر ظهور القدمين ، ولو لبس الشمشكين اختيارا افتدى .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية