وجاء في حديث وصف الذين يحيون السنة ويعلمونها الناس بأنهم خلفاء النبي، وللأنبياء أيضا ورثة كما في الحديث المشهور في السنن:
nindex.php?page=hadith&LINKID=14638 "العلماء ورثة الأنبياء" . والخلافة والوراثة قد تكون في بعض الأشياء دون بعض، فمن نال بعض ما بعثوا به من العلم فهو وارث لذلك المقدار، ومن قام مقامهم في بعض الأمر فقد خلفهم في ذلك على البدلية، ومن قام مقامهم في بعض الأمر كان بدلا منهم في ذلك. وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28703استسقى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=18بالعباس وقال: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" .
ومعلوم أن من جملة أحوال الأنبياء دعاءهم للخلق، وما يحصل
[ ص: 69 ] بدعائهم وعبادتهم من الرزق والنصر، فمن قام مقامهم في بعض ذلك كان بدلا منهم في ذلك البعض.
وقيل: سموا أبدالا لأنه كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا.
وهذا لا يصح، ولا مدح فيه، فإن كون الشخص إذا مات قام مقامه غيره قد يكون مع إيمانه، وقد يكون مع كفره، والله جعل بعض بني آدم خلفاء بعض مع اختلاف أعمالهم. قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=13ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=14ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون . فقد جعل أمة
محمد خلائف عمن أهلك من القرون المكذبين الظالمين.
وقد قال
نوح له
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ، فهذا الولد الفاجر الكفار بدل عن أبيه. فليس في إبدال شخص مكان شخص مدح إلا أن يكون الأول ممدوحا، فإن لم يعتبر في معنى البدل أن يكون بدلا عن نبي أو من يقوم مقام نبي لم يكن في كونه بدلا عمن كان قبله صفة مدح.
وأيضا فلو كان كل من مات قام مقامه غيره للزم أن يقوم مقام
[ ص: 70 ] nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي أمثالهم، ولم يكن كذلك. وهؤلاء أفضل خلفاء الرسل وأبدالهم ووراثهم.
وأيضا فمن يكون بدلا عن الأنبياء كثيرون إذا كثر الإيمان والتقوى، قليلون إذا قل ذلك، ومعلوم أن المؤمنين المتقين ليسوا إذا مات منهم واحد قام مقامه غيره.
وقد قيل في معنى الأبدال: إنهم بدلوا سيئاتهم حسنات. وهذا معنى التائبين، فكل مؤمن تاب من سيئاته له هذا المعنى.
وزعم بعضهم أن البدل إذا غاب عن مكانه أبدل بصورة على مثاله. وهذا باطل، ولم يكن السلف يعنون بالبدل هذا المعنى، ولا يجعلون ذلك لازما لمن يسمونه بهذا الاسم.
وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ وَصْفُ الَّذِينَ يُحْيُونَ السُّنَّةَ وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ بِأَنَّهُمْ خُلَفَاءُ النَّبِيِّ، وَلِلْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا وَرَثَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=14638 "الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ" . وَالْخِلَافَةُ وَالْوِرَاثَةُ قَدْ تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ، فَمَنْ نَالَ بَعْضَ مَا بُعِثُوا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ فَهُوَ وَارِثٌ لِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ فَقَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ كَانَ بَدَلًا مِنْهُمِ فِي ذَلِكَ. وَقَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=28703اسْتَسْقَى nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=18بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا" .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ دُعَاءَهُمْ لِلْخَلْقِ، وَمَا يَحْصُلُ
[ ص: 69 ] بِدُعَائِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ، فَمَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَانَ بَدَلًا مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.
وَقِيلَ: سُمُّوا أَبْدَالًا لِأَنَّهُ كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلًا.
وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَلَا مَدْحَ فِيهِ، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّخْصِ إِذَا مَاتَ قَامَ مَقَامَهُ غَيْرُهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ إِيمَانِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ كُفْرِهِ، وَاللَّهُ جَعَلَ بَعْضَ بَنِي آدَمَ خُلَفَاءَ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=39هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=13وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=14ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ . فَقَدْ جَعَلَ أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ خَلَائِفَ عَمَّنْ أَهْلَكَ مِنَ الْقُرُونِ الْمُكَذِّبِينَ الظَّالِمِينَ.
وَقَدْ قَالَ
نُوحٌ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا ، فَهَذَا الْوَلَدُ الْفَاجِرُ الْكَفَّارُ بَدَلٌ عَنْ أَبِيهِ. فَلَيْسَ فِي إِبْدَالِ شَخْصٍ مَكَانَ شَخْصٍ مَدْحٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مَمْدُوحًا، فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي مَعْنَى الْبَدَلِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ نَبِيٍّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ نَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ فِي كَوْنِهِ بَدَلًا عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ صِفَةُ مَدْحٍ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ مَاتَ قَامَ مَقَامَهُ غَيْرُهُ لَلَزِمَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ
[ ص: 70 ] nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٍّ أَمْثَالُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ خُلَفَاءِ الرُّسُلِ وَأَبْدَالُهُمْ وَوُرَّاثُهُمْ.
وَأَيْضًا فَمَنْ يَكُونُ بَدَلًا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ كَثِيرُونَ إِذَا كَثُرَ الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى، قَلِيلُونَ إِذَا قَلَّ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ لَيْسُوا إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ قَامَ مَقَامَهُ غَيْرُهُ.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْأَبْدَالِ: إِنَّهُمْ بَدَّلُوا سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ. وَهَذَا مَعْنَى التَّائِبِينَ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ تَابَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ لَهُ هَذَا الْمَعْنَى.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبَدَلَ إِذَا غَابَ عَنْ مَكَانِهِ أُبْدِلَ بِصُورَةٍ عَلَى مِثَالِهِ. وَهَذَا بَاطِلٌ، وَلَمْ يَكُنِ السَّلَفُ يَعْنُونَ بِالْبَدَلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمَنْ يُسَمُّونَهُ بِهَذَا الِاسْمِ.