[ ص: 103 ] مسألة في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم – ربه [ ص: 104 ] [ ص: 105 ] مسألة
سئل الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رضي الله عنه، في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل، هل كانت بعين رأسه أم بقلبه؟
الجواب
الحمد لله. أما رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه بعين رأسه في الدنيا فهذا لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من الصحابة، ولا عن أحد من الأئمة المشهورين، لا ولا غيره. ولكن الذي ثبت عن الصحابة - أحمد بن حنبل كأبي ذر وغيرهما - والأئمة وابن عباس وغيره أنه يقال: رآه بفؤاده، كما ثبت في صحيح كأحمد بن حنبل عن مسلم أنه قال: ابن عباس رأى محمد ربه بفؤاده مرتين.
وقد ثبت عن أنها قالت: عائشة محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية . من زعم أن
ولم ترو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا، ولا روى أبو بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا. وأما الحديث الذي يذكره بعض الجهال أنه قال عائشة "لم أره"، وقال لعائشة: "بل رأيته"، وأنه أجاب كل واحد على قدر عقله - فهذا كذب، ولم يرو هذا الحديث أحد من علماء المسلمين، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعروفة. [ ص: 106 ] لأبي بكر:
ثم من العلماء من جمع بين قول وقول عائشة وقال: إن ابن عباس، أنكرت رؤية العين، عائشة ذكر رؤية الفؤاد، ولا منافاة بينهما. ومنهم من جعلهما قولين مختلفين. وأكثر أهل السنة يرجحون قول وابن عباس لما فيه من الإثبات، ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ابن عباس، . وليس في شيء من الحديث الثابت أنه قال: رأيت ربي بعيني، بل قد روى بعضهم هذه الأحاديث التي فيها رؤية العين، "رأيت ربي" ونصر هذا القول طائفة، منهم كأبي بكر الخلال، القاضي أبو يعلى.
وذكر عن في الرؤية ثلاث روايات : رواية أنه رآه بعين رأسه، ورواية بعين قلبه، ورواية أنه يقول: رآه، ولا يقول: بعين رأسه، ولا بعين قلبه. ونصر هذا طائفة من أهل الكلام من أتباع أحمد لكن رؤية العين عند هؤلاء إنما هي زوال مانع في العين، [و] ليست الرؤية المعروفة عند سلف الأمة وأئمتها، وهؤلاء إنما وافقوا ابن كلاب، في مسألة الكلام فقط، وأما مسألة الرؤية المناسبة فخالفوه فيها، وخالفوه أيضا فيما يثبته من الصفات الخبرية: الرؤية والعلو وغيرهما، وإن كانوا ينتسبون إلى مذهبه لموافقتهم له في أكثر أقواله، وأكثر هؤلاء يجعلون تكليم الله لموسى إفهامه الكلام القائم بالذات، ويجعلون رؤيته إنما هي خلق الإرادة في العين فقط. فسلك طريق هؤلاء الجهمية الاتحادية وغيرهم، وصار منهم من يزعم أن الله يكلمه كما كلم ابن كلاب موسى بن عمران، ومن يزعم أنه يرى الله في الدنيا بعينه من الحلولية والاتحادية، حتى يقولون: إنهم يرون الله في كل [ ص: 107 ] صورة في الدنيا والآخرة.
واتفق هؤلاء غلاة المعطلة وغلاة المجسمة على أنه يرى في الدنيا بالعينين، وحتى يزعموا أنهم يؤاكلونه ويشاربونه ويجالسونه في الدنيا، وأمثال هذه الترهات.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وجميع علماء المسلمين على أن ، وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرى الله في الدنيا "واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت".
ولذلك اتفق الصحابة وسلف الأمة وأئمتها على أن كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فمن قال: إنه لا يرى في الآخرة فهو جهمي ضال، ومن قال: إن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - يراه في الدنيا بالفؤاد فهو أيضا مبتدع ضال كاذب، والحلولية والاتحادية يجمعون بين النفي والإثبات. ومن قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه بعينه في الدنيا فهو أيضا غالط، قائل قولا لم يقله أحد من الصحابة ولا الأئمة. الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانا كما يرى الشمس والقمر،
وكذلك عن والمنقول في رؤية العين في الدنيا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كله كذب موضوع باتفاق أهل العلم. فإنه لم يقل قط: إنه رآه بعينه، وإنما قال مرة: رآه، ومرة قال: بفؤاده، وأنكر على من أنكر مطلق الرؤية، وذكر أنه يتبع ما نقل في ذلك من الآثار، وروى بإسناده عن أحمد، أنه رآه بفؤاده. [ ص: 108 ] أبي ذر
وقد ثبت في صحيح مسلم ". وفي لفظ: أن أبا ذر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور، أنى أراه! "رأيت نورا". هو السائل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الجواب. وقد روى بإسناده عن فأبو ذر أنه رآه بفؤاده، واتبع أبي ذر ذلك. أحمد
وقد روي أحاديث فيها ذكر الرؤية، وأنه رآه في صورة كذا، وأنه وضع يده بين كتفيه حتى وجد برد أنامله، وقال له: رواه فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: في الكفارات والدرجات، وقال في آخره: "اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون". وغيره ، وذكر تصحيحه. الترمذي
وهذا الحديث ونحوه كلها رؤيا منام، وكانت بالمدينة بعد المعراج، وأما أحاديث المعراج المعروفة فليس في شيء منها ذكر رؤيته البتة أصلا.
فالواجب اتباع الآثار الثابتة في ذلك وما كان عليه السلف والأئمة، وهو إثبات مطلق الرؤية، أو رؤية مقيدة بالفؤاد. أما رؤيته بالعين ليلة المعراج أو غيرها، فقد تدبرنا عامة ما صنفه المسلمون في هذه المسألة وما نقلوا فيها قريبا من مئة مصنف، فلم نجد أحدا روى بإسناد ثابت - لا عن صاحب ولا إمام - أنه رآه بعين رأسه. والله أعلم.