روى الإمام والشيخان وغيرهم أحمد رضي الله عنه قال : إني لواقف في الصف يوم عبد الرحمن بن عوف بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار ، حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما سرا من صاحبه فقال : أي عم ، هل تعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، فما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، قال : وغمزني الآخر سرا من صاحبه فقال مثلها ، فعجبت لذلك . قال : فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس وهو يرتجز :
ما تنقم الحرب العوان مني بازل عامين حديث سني لمثل هذا ولدتني أمي
فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه ، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى برد ، وانصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : «أيكما قتله ؟ » فقال كل واحد منهما : أنا قتلته . قال : «مسحتما سيفيكما ؟ » قالا : لا ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال : «كلاكما قتله» وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، والرجلان : معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء . عن
وروى الإمام أحمد ، عن والبيهقي ، رضي الله عنه . ابن مسعود عن وابن إسحاق معاذ بن عمرو ، عن والبيهقي ابن عقبة ، عن والبيهقي قال ابن إسحاق . سمعت القوم معاذ : وأبا جهل في مثل الحرجة وهم يقولون : أبو الحكم لا يخلص إليه ، فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أظنت قدمه بنصف ساقه ، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى ، حين يضرب بها ، قال : وضربني ابنه عكرمة -وأسلم بعد ذلك- على عاتقي فطرح يدي بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي هذا ، وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت قدمي عليها ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها .
قال وعاش بعد ذلك إلى زمن ابن إسحاق : عثمان .
قال القاضي : زاد ابن وهب في روايته : «فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلصقت» كذا نقله عن القاضي في العيون . [ ص: 51 ]
والذي في الشفاء : وقطع أبو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء ، فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألصقها فلصقت ، رواه ابن وهب . انتهى .
قال ثم مر ابن إسحاق : بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته وبه رمق ، وقاتل معوذ حتى قتل ، ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل فذكر ما سيأتي .
قال ابن إسحاق : وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى ، فالتمس أبا جهل فلم يجده ، حتى عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «اللهم لا يعجزني فرعون هذه الأمة» .
وقال صلى الله عليه وسلم : «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل ؟ وإن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته ، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ، ونحن غلامان ، وكنت أشف منه بيسير ، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره به» .
قال فأتيته فوجدته بآخر رمق فعرفته ، وكان مقنعا بالحديد ، واضعا سيفه على فخذيه ، ليس به جرح ، ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا وهو منكب ينظر إلى الأرض ، فلما رآه عبد الله بن مسعود : طاف حوله ليقتله ، فأراد أن يضربه بسيفه ، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا ، فأتاه من ورائه ، قال : ومعي سيف رث ومعه سيف جيد ، فجعلت أنقف رأسه بسيفي ، وأذكر نتفا كان برأسي حتى ضعفت يده ، فأخذت سيفه ، فرفع رأسه فقال : على من كانت الدبرة ؟ وفي رواية : لمن الدائرة ؟ قلت : لله ورسوله ، فأخذت بلحيته وقلت : الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله ، وفي لفظ : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : بماذا أخزاني ؟ قال : هل أعمد ، وفي لفظ : هل عدا رجل قتلتموه . أو غير أكار قتلني ، فرفعت سابغة البيضة عن قفاه ، فضربته فوقع رأسه بين يديه ، ثم سلبته . ابن مسعود
قال ابن عقبة : فلما نظر عبد الله إلى أبي جهل إذا هو ليس به جراح ، وأبصر في عنقه خدرا وفي يديه وكفيه كهيئة آثار السياط ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فقال : «ذلك ضرب الملائكة» .
قال ثم حززت رأسه ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابن مسعود : أبي جهل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الله الذي لا إله إلا هو ؟ » وفي لفظ : الذي لا إله غيره ، فاستحلفني ثلاث مرات فألقيت رأسه بين يديه ، فقال : «الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله» ثلاث مرات ، وخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا .
وفي رواية : صلى ركعتين .
قال القاضي : إن إنما جعل رجله على عنق ابن مسعود أبي جهل ليصدق رؤياه ، فإن ابن قتيبة ذكر أن أبا جهل قال لأقتلنك ، فقال : والله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك بنعلي ، ولئن صدقت لأطأن رقبتك ، ولأذبحنك ذبح الشاة . [ ص: 52 ] لابن مسعود :
وروى ابن عائذ عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قتادة «إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل ، قتله الله شر قتلة ، قتله ابنا عفراء ، وقتلته الملائكة ، وتدافه ابن مسعود» يعني أجهز عليه .
وروى في كتاب «من عاش بعد الموت» : عن ابن أبي الدنيا الشعبي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة معه ، حتى يغيب في الأرض ، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك . ففعل ذلك مرارا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك أبو جهل بن هشام ، يعذب إلى يوم القيامة كذلك» .
وروى الطبراني في كتاب القبور ، وابن أبي الدنيا في السنة ، واللالكائي وابن منده ، رضي الله عنهما قال : بينما أنا سائر بجنبات عبد الله بن عمر بدر إذ خرج رجل من حفرة في عنقه سلسلة فناداني : يا عبد الله اسقني فلا أدري عرف اسمي أو دعاني بدعاية العرب ، وخرج رجل من تلك الحفرة في يده سوط فناداني : يا عبد الله! لا تسقه؛ فإنه كافر ، ثم ضربه بالسوط فعاد إلى حفرته ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا فأخبرته فقال لي : «قد رأيته ؟ » قلت : نعم ، قال : «ذاك عدو الله أبو جهل ، وذاك عذابه إلى يوم القيامة» . عن
أبي ذات الكرش مقتل
روى عن البخاري قال : لقيت يوم الزبير بن العوام بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه ، وكان يكنى أبا ذات الكرش ، فقال : أنا أبو ذات الكرش ، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات . قال فأخبرت هشام بن عروة : قال : لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت ، فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفها . قال الزبير فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها ، فلما قبض عروة : أخذها ، ثم طلبها عمر فأعطاه إياها ، فلما قبض أبو بكر أخذها ، ثم سألها أبو بكر فأعطاه إياها ، فلما قبض عمر أخذها ، ثم طلبها عمر منه فأعطاه إياها ، فلما قتل وقعت عند عثمان آل علي ، وطلبها فكانت عنده حتى قتل . عبد الله بن الزبير