الرابع عشر : اتفق عمر وأبو طلحة ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : لما قال له المسلمون : يا رسول الله كيف تخاطب أمواتا ؟ فقال : «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» والثلاثة الأول شاهدوا القصة ، وسمعوا هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله يحتمل أن يكون سمعه من أبيه ، أو من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولفظ قال : ابن مسعود رواه «يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون» بإسناد صحيح ، وأنكرت ذلك الطبراني رضي الله عنها لما بلغها ذلك عن عائشة وقالت : ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقا ، واستدلت على ذلك بقوله تعالى : [ ص: 85 ] ابن عمر ، وما أنت بمسمع من في القبور [فاطر : 22] وهذا مصير منها إلى رد رواية المذكورة ، وقد خالفها الجمهور في ذلك ، وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه . ابن عمر؛
وأما استدلالها عليه بالآية فقالوا : معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم ولا تسمعهم إلا أن يشاء الله .
وقال كان عند الإسماعيلي : رضي الله عنها من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه ، ولكن لا سبيل إلى رد كلام الثقة إلا بنص يدل على نسخه ، أو تخصيصه أو استحالته ، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن ؟ لأن قوله تعالى : عائشة إنك لا تسمع الموتى لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم : «إنهم الآن يسمعون» لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع ، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأما جوابه بأنه إنما قال : «إنهم ليعلمون» فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون ، بل يؤيدها . وقال العلم لا يمنع من السماع ، والجواب عن الآية : لا يسمعهم وهم موتى ، ولكن الله تعالى أحياهم حتى سمعوا كما قال البيهقي : قتادة .
وقال السهيلي ما محصله : إن ، وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين ، وذلك بآذان رؤوسهم على قول الأكثر ، أو بآذان قلوبهم ، واحتجاج في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له : أتخاطب أقواما قد جيفوا فأجابهم رضي الله عنها بقوله تعالى : عائشة وما أنت بمسمع من في القبور وهذه الآية لقوله تعالى : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي [الزخرف : 40] أي أن الله تعالى هو الذي يهدي ويوفق ويوصل الموعظة إلى آذان القلوب لا أنت ، وجعل الكفار أمواتا وصما على جهة التشبيه بالأموات وبالصم ، والله تعالى هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاء لا نبيه ولا أحد ، فإذا : لا تعلق بالآية من وجهين :
أحدهما : أنها نزلت في دعاء الكفار إلى الإيمان .
الثاني : أنه إنما نفى عن نبيه أن يكون هو المسمع لهم ، وصدق الله تعالى فإنه لا يسمعهم إذا شاء إلا هو ، ويفعل ما يشاء ، وهو على كل شيء قدير .