الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن المنذر عن كليب بن شهاب قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول : إنها أحدية فلما انتهى إلى قوله تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان [آل عمران 155 ] قال : لما كان يوم أحد هزمنا ونفرت ، حتى صعدت في الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروي ، فسمعت يهوديا يقول : قتل محمد ، فقلت : لا أسمع أحدا يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية قيس بن محرث ، ويقال : قيس بن الحارث بن عدي بن جشم مع طائفة من الأنصار ، فصادفوا المشركين فدخلوا [ ص: 207 ] حومتهم ، فما أفلت منهم رجل حتى قتل ، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا ، فما قتلوه إلا بالرماح ، نظموه ، ووجد به أربع عشرة طعنة ، قد جافته ، وعشر ضربات في بدنه .

                                                                                                                                                                                                                              ونادى الحباب بن المنذر : يا آل سلمة ، فأقبلوا عليه عنقا واحدا : لبيك داعي الله .

                                                                                                                                                                                                                              وكان عباس بن عبادة بن نضلة - بالنون والضاد المعجمة - وخارجة بن زيد ، وأوس بن أرقم ، يرفعون أصواتهم ، فيقول عباس : يا معشر المسلمين : الله ونبيكم ، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم ، فوعدكم النصر ما صبرتم ، ثم نزع مغفره وخلع درعه ، وقال لخارجة بن زيد : هل لك فيها ؟ قال : لا ، أنا أريد الذي تريد ، فخالطوا القوم جميعا ، وعباس يقول : ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنا عين تطرف ؟ فيقول خارجة : لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة . فقتل سفيان بن عبد شمس عباسا ، وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا ، وأجهز عليه صفوان بن أمية - وأسلم صفوان بعد ذلك - وقتل أوس بن أرقم رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                              ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد [بن أبي زهير ] وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل ، فقال : أما علمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال خارجة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت ، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه ، فقاتل عن دينك !

                                                                                                                                                                                                                              ومر على سعد بن الربيع وبه اثنتا عشرة جراحة كلها قد خلص إلى مقتل ، فقال : أعلمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال سعد : أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلغ رسالة ربه ، فقاتل عن دينك ، فإن الله تعالى حي لا يموت ! قالوا : وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول الناس : قتل رسول الله - كما ذكر الزهري - كعب بن مالك ، قال : رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلي أن اسكت ، ودعا بلأمة كعب ، وكانت صفراء أو بعضها ، فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب ، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة ، لشدة قتاله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند رجاله ثقات ، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلي بيده أن اسكت ، ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي ، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة - أو قال : بضعا وعشرين جراحة - كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه . ولما رأوه سالما [ ص: 208 ] كأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه ، وفرحوا بذلك فرحا شديدا ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ، ونهض معهم نحو الشعب ومعه أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، ورهط من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية