فمن الحوادث فيها: غزو الديلم .
وفيها: انصرف عن المهدي خراسان إلى العراق ، وشخص أبو جعفر إلى قنسرين ، فلقيه بها ابنه محمد ، فانصرفا جميعا إلى الحيرة .
وفيها: بنى عند مقدمه من المهدي خراسان بابنة عمه ريطة بنت أبي العباس .
وفيها: أبو جعفر رياح بن عثمان المري المدينة ، وعزل محمد بن خالد القسري عنها . ولى
وكان السبب في ذلك أن أبا جعفر أهمه أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن وتخلفهما عن حضوره ، مع من شهده من بني هاشم عام حج في حياة أخيه أبي العباس ، ومعه أبو مسلم . وقد ذكر أن محمدا كان يذكر أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب مروان . فسأل أبو جعفر عن محمد وإبراهيم حين حج ولم يرهما ، فقال له زياد بن عبد الله: ما يهمك من أمرهما! أنا آتيك بهما . فضمنه إياهما ، وأقره على المدينة .
ولما ولي أبو جعفر لم يكن له هم إلا طلب محمد ، والسؤال عنه ، فدعا بني هاشم [ ص: 45 ] رجلا رجلا يخلو به ، فيسألهم عنه فيقولون: هو يخافك على نفسه ، وما يريد بذلك خلافا إلا حسن بن يزيد ، فإنه أخبره خبره ، وقال: والله ما آمن وثوبه عليك ، وإنه ما ينام عنك .
فنظر إلى رجل له فطنة يقال له: المنصور عقبة بن سالم ، فقال له: أخف شخصك ، واستر أمرك ، وآتني لأمر إن كفيتنيه رفعتك . فأتاه فقال له: إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا لملكنا ، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا ، يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من بلادهم ، فأخرج بكسا وألطاف وعين حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه أهل هذه القرية ، ثم تسبر ناحيتهم ، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب ، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك ، فأشخص حتى تلقى عبد الله بن حسن ، فإن جبهك - وهو فاعل - فاصبر وعاوده حتى يأنس بك ، فإذا أظهر لك ما قبله فاعجل علي .
فشخص حتى قدم على عبد الله ، فلقيه بالكتاب فأنكره ونهره وقال: ما أعرف هؤلاء القوم ، فلم يزل ينصرف ويعود إليه حتى قبل كتابه وألطافه وآنس به ، فسأله الجواب ، فقال: إني لا أكتب إلى أحد ، ولكن أنت كتابي إليهم ، فأقرئهم السلام وأخبرهم أن ابني خارجان لوقت كذا وكذا .
فقدم على أبي جعفر فأخبره الخبر ، فأنشأ حينئذ الحج وقال لعقبة: إني إذا صرت بمكان كذا وكذا لقيني بنو حسن ، فيهم عبد الله ، فأنا مبجله ورافع مجلسه وداع بالغداء ، فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائما ، فإنه سيصرف بصره ، فعد حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك ، ثم حسبك ، وإياك أن يراك ما دام يأكل .
فخرج حتى إذا تدفع في البلاد لقيه بنو حسن ، فأجلس عبد الله إلى جانبه ، ثم دعا [ ص: 46 ] بالغداء ، فأصابوا منه ، ثم أمر به فرفع ، فأقبل على عبد الله فقال: يا محمد ، قد علمت ما أعطيتني من المواثيق والعهود ألا تبغيني سوءا ، ولا تكيد لي سلطانا . قال: فأنا على ذاك يا أمير المؤمنين . فلحظ أبو جعفر عقبة ، فاستدار حتى قام بين يدي عبد الله ، فأعرض عنه ، فاستدار حتى قام من وراء ظهره ، فغمزه بأصبعه ، فرفع رأسه ، فملأ عينه منه ، فوثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر ، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله . قال: لا أقالني الله إن أقلتك . ثم أمر بحبسه .
وفي رواية: أن أتاه المنصور عبد الله بن حسن ، فجلس عنده ، إذ تكلم فلحن ، فقال المهدي عبد الله: يا أمير المؤمنين ، ألا تأمر لهذا من يعدل لسانه ، فأحفظ من هذا وقال: أين ابنك؟ قال: لا أدري . قال: لتأتيني به . قال: لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه . قال: يا المنصور ربيع ، قم به إلى الحبس .
وقيل: إن حبسه كان في سنة أربعين ، فأقام في الحبس ثلاث سنين .
ولما حبسه جد في طلب ابنيه وبعث عينا له ، وكتب معه كتبا على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم ، وبعث معه بمال وألطاف ، فقدم الرجل المدينة ، فسأل عن محمد ، فذكر له أنه في جبل جهينة ، فمضى إليه ، فعلم حاله ، ثم عاد إلى أبي جعفر ، فكتب أبو جعفر إلى زياد بن عبيد الله يتنجزه ما ضمن له من أمر محمد ، فأعان زياد محمدا وقال له: اذهب حيث شئت ، فما ينالك مني مكروه .
فبعث أبو جعفر من شد زيادا في الحديد ، وأخذ جميع ماله ، ووجد في بيت المال خمسة وثمانين ألف دينار ، وأخذ عماله ، وشخص بالكل إلى أبي جعفر ، فقال له زياد:
إن دماء بني فاطمة علي عزيزة .
واستعمل أبو جعفر محمد بن خالد بعد زياد ، أمره بالجد في طلب محمد ، ثم استبطأه فعزله ، رياح بن عثمان بن حيان المدينة ، وأمره بالجد في طلبهما ، فخرج مسرعا ، فقدمها يوم الجمعة لسبع ليال بقين من رمضان سنة أربع وأربعين ومائة . [ ص: 47 ] وولى
وكان عند أبي جعفر مرآة يرى بها ما في الأرض جميعا ، يقال إنها نزلت على آدم ، وصارت إلى سليمان بن داود ، ثم ذهبت بها الشياطين وبقيت منها بقية صارت إلى بني إسرائيل ، فأخذها رأس الجالوت ، فأتى بها مروان بن محمد ، فكان يحكها ثم يجعلها على مرآة أخرى فيرى [فيها ما يكره ، فرمى بها وضرب عنق رأس الجالوت ، فلما استخلفأبو جعفر طلبها ، فأتي بها ، فكان يرى] فيها محمد بن عبد الله بن حسن ، فيكتب إلى رياح: إن محمدا ببلاد فيها الأترج والأعناب ، فاطلبه بها ، فيطلبه فلا يجده ، فيكتب إليه أنه ببلاد فيها الجبال فلا يجده . وكان السبب: أن محمدا كان لا يقيم بمكان إلا يسيرا ، فأخبر رياح أنه في شعب من شعاب رضوى ، فاستعمل عمرو بن عثمان بن مالك ، وأمره بطلبه ، فخرج إليه بالخيل والرجال ، ففزع منهم محمد ، فأحضر شدا ، فأفلت ، وكان معه جارية وله منها ولد ، فهربت الجارية ، فسقط الصبي منها فتقطع ، فقال محمد:
منخرق السربال يشكو الوجى تبكيه أطراف مرو حداد شرده الخوف فأزرى به
كذاك من يكره حر الجلاد قد كان في الموت له راحة
والموت حتم في رقاب العباد
وطال على أمره ولم يقدر عليه ، وقيل له: أتطمع أن تخرج المنصور محمدا وإبراهيم ، وبنو حسن مخلون!؟ وكانوا ثلاثة عشر رجلا .
وحبس معهم محمد بن عبد الله العثماني وولدين له ، فلم يزالوا محبوسين حتى حج أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة ، فتلقاه رياح بالربذة فرده إلى المدينة ، وأمر [ ص: 48 ] بإشخاص بني حسن إليه ، وبإشخاص محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان - وهو أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت حسين بن علي - فحملهم إليه ، وكان محمد وإبراهيم يأتيان معتمين كهيئة الأعراب ، فيسايران أباهما ويسألانه ويستأذنانه في الخروج فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك ، ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين .
وأمر أبو جعفر لمحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فضرب خمسين ومائة ، وقال للجلاد: اضرب رأسه ، فضربه نحوا من ثلاثين سوطا ، وكان يخاف منه لميل أهل الشام إلى عثمان ، ثم قتله .
وأمر أبو جعفر محمد بن عبد الله ففرقت أسطوانة مبنية ثم أدخل فيها ، فبنى عليه وهو حي . وكان أول من مات من المحبوسين من بني حسن: إبراهيم بن حسن ثم عبد الله بن حسن .
[وقد ذكرنا أن الذي حج بالناس في هذه السنة ، وكان المنصور مكة السري بن عبد الله] ، الوالي على المدينة رياح بن عثمان ، وعلى والوالي على الكوفة عيسى بن موسى ، وعلى البصرة سفيان بن معاوية ، وعلى قضائها سوار ، وعلى مصر يزيد بن حاتم .
وجرت في حجه قصة مع بعض الصالحين: للمنصور
أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال: حدثنا أبو نصر محمد بن محمد النيسابوري عن إبراهيم بن أحمد الخشاب المقرئ قال: حدثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الرازي قال: حدثنا المثنى قال: حدثنا سلمة بن سلمة القرشي قاضي اليمن قال: سمعت أبا المهاجر المكي يقول: قدم المنصور مكة ، فكان يخرج من دار الندوة إلى الطواف في آخر الليل ويطوف ويصلي ، ولا يعلم به ، فإذا طلع الفجر رجع إلى دار الندوة ، وجاء المؤذنون فسلموا عليه ، أقيمت الصلاة ، فيصلي بالناس ، فخرج ذات ليلة حين أسحر ، فبينا هو يطوف إذ [ ص: 49 ] سمع رجلا عند الملتزم وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض ، وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع . فأسرع في مشيه حتى ملأ مسامعه من قوله ، ثم خرج فجلس ناحية من المسجد ، ثم أرسل إليه فدعاه ، فصلى ركعتين ، واستلم الركن ، وأقبل مع الرسول ، فسلم عليه ، فقال له المنصور : ما هذا الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع؟ فوالله لقد حشوت مسامعي ما أمرضني فأقلقني ، فقال: يا أمير المؤمنين ، إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من أصلها ، وإلا احتجبت منك وأقتصر على نفسي ، ففيها لي شغل شاغل . فقال: أنت آمن على نفسك . فقال: يا أمير المؤمنين ، إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين الحق وإصلاح ما ظهر من البغي والفساد في الأرض لأنت . قال: ويحك ، كيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء بيدي ، والحلو والحامض في قبضتي . قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله عز وجل استرعاك أمور المسلمين بأموالهم ، فأغفلت أمورهم ، واهتممت بجمع أموالهم ، وجعلت بينك وبينهم حجابا من الآجر والجص ، وأبوابا من الحديد ، وحجبة معهم السلاح ، واتخذت وزراء وأعوانا فجرة ، إن نسيت لم يذكروك ، وإن أحسنت لم يعينوك ، وقويتهم على ظلم الناس بالرجال والأموال والسلاح ، وأمرت أن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان ، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف والجائع والعاري ، وما أحد إلا وله في المال حق ، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك ، وأمرت أن لا يحجبوا عنك ، تجبي المال ولا تقسمه ، قالوا: هذا قد خان الله ، فما لنا لا نخونه ، وقد سخر لنا ، وائتمروا على أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أرادوا ، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا أقصوه عنك حتى تسقط منزلته عندك ، فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم ، وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليتقووا بها على ظلم رعيتك ، [ثم فعل ذلك الثروة والقوة من رعيتك] لينالوا ظلم من دونهم من الرعية ، وامتلأت بلاد الله بالطمع بغيا وفسادا ، وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك ، وأنت غافل ، وإن جاء متظلم حيل بينه وبين الدخول إلى مدينتك ، وإن أراد رفع قصة إليك عند ظهورك ، [ ص: 50 ] وجدك قد نهيت عن ذلك ، ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم ، فإن جاء ذلك الرجل يبلغ بطانتك سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته إليك ، فإن صرخ بين يديك ضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره ، وأنت تنظر فلا تنكر ولا تغير ، فما بقاء الإسلام وأهله على هذا ، وقد كانت بنو أمية وكانت العرب لا ينتهي إليهم مظلوم إلا رفعت مظلمته ، ولقد كان الرجل يأتي من أقصى الأرض حتى يبلغ سلطانهم فينادي: يا أهل الإسلام . فيبتدرونه: ما لك ما لك . فيرفعون مظلمته إلى سلطانهم فينتصف له . وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى أرض المنصور الصين وبها ملك ، فقدمتها مرة وقد ذهب سمع ملكهم ، فجعل يبكي ، فقال له وزراؤه: ما لك تبكي لا بكت عيناك؟ فقال: أما إني لست أبكي على المصيبة إذ نزلت بي ، ولكن المظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته ، وقال: أما إن كان ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب ، نادوا في الناس أن لا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم . فكان يركب الفيل في طرفي النهار ، هل يرى مظلوما فينصفه . هذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله قد غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نفسه في ملكه ، وأنت مؤمن بالله عز وجل ، وابن عم نبيه صلى الله عليه وسلم ، ألا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك!؟ فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاث: إن قلت أجمعها لولدي فقد أراك الله عبرا في الطفل الصغير يسقط من بطن أمه وما له على الأرض مال ، وما من مال إلا ومن دونه يد شحيحة تحويه ، فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل الصغير حتى تعظم رغبة الناس إليه ، ولست بالذي تعطي ، بل الله يعطي من يشاء ما يشاء . وإن قلت أجمع المال ليشتد سلطاني فقد أراك الله عز وجل عبرا فيمن كان قبلك ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة ، وما أعدوا من السلاح والكراع ما ضرك ، وولد أبيك ما كنت فيه من الضعف حين أراد الله عز وجل بكم ما أراد ، وإن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فيها ، فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح . يا أمير المؤمنين هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا . قال: فكيف تصنع بالملك الذي خولك ما أنت فيه من ملك الدنيا ، وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل ، ولكن يعاقب من عصاه بالخلود في العذاب الأليم ، وهو الذي يرى منك ما عقد عليه قلبك ، وأضمرته جوارحك ، فما تقول إذا انتزع ملك الدنيا من يدك ، ودعاك إلى الحساب؟ هل يفي عنك ما كنت فيه شيئا؟
[ ص: 51 ]
فبكى بكاء شديدا حتى ارتفع صوته ، ثم قال: يا ليتني لم أخلق ولم أك شيئا . ثم قال: كيف احتيالي فيما خولت ولم أر من الناس إلا خائنا . قال: يا أمير المؤمنين ، عليك بالأئمة الأعلام المرشدين . قال: ومن هم؟ قال: العلماء . قال: قد فروا مني . قال: هربوا منك مخافة أن تحملهم على ظهر ما من طريقتك ، ولكن افتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانتصر للمظلوم ، وامنع الظالم ، وخذ الشيء مما حل وطاب واقسمه بالعدل ، وأنا ضامن لك عن من هرب منك أن يأتيك فيعاونك على صلاح أمرك ورعيتك . المنصور
فقال : اللهم وفقني أن أعمل بما قال هذا الرجل . وجاء المؤذنون فسلموا عليه ، وأقيمت الصلاة ، فخرج فصلى بهم ثم قال للحارس: عليك بالرجل ، فلئن لم تأتني به لأضربن عنقك . واغتاظ عليه غيظا عظيما ، فخرج الحرسي يطلب الرجل ، فبينا هو يطوف إذا هو بالرجل قائم يصلي ، فقعد حتى صلى ، ثم قال: يا ذا الرجل ، أما تتقي الله؟ قال: بلى . قال: ما تعرفه؟ قال: بلى . قال: فانطلق معي فقد آلى أن يقتلني إن لم آته بك . قال: ليس إلى ذلك سبيل . قال: يقتلني . قال: ولا يقتلك . قال: كيف؟ قال: تحسن تقرأ؟ قال: لا . قال: فأخرج من مزود كان معه رقاعا فيه شيء مكتوب ، فقال: خذه فاجعله في جيبك ، فإن فيه دعاء الفرج . قال: وما دعاء الفرج؟ قال: لا يرزقه إلا السعداء . قال: رحمك الله فقد أحسنت إلي ، فإن رأيت أن تخبرني ما هذا الدعاء وما فضله؟ قال: من دعا به صباحا ومساء هدمت ذنوبه ، ودام سروره ، ومحيت خطاياه ، واستجيب دعاؤه ، وبسط له في رزقه ، وأعطي أمله ، وأعين على عدوه ، وكتب عند الله صديقا ، ولا يموت إلا شهيدا ، تقول: اللهم كما لطفت في بعظمتك دون اللطفاء ، وعلوت بعظمتك على العظماء ، وعلمت ما تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك ، وكانت وساوس الصدور كالعلانية عندك ، وعلانية القول كالسر في علمك ، فانقاد كل شيء لعظمتك ، وخضع كل ذي سلطان لسلطانك ، وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك ، اجعل لي من كل هم أمسيت فيه فرجا ومخرجا . اللهم إن عفوك عن ذنوبي ، وتجاوزك عن خطيئتي ، وسترك على قبيح عملي ، أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه منك ، فصرت أدعوك آمنا ، وأسألك مستأنسا ، وإنك المحسن إلي وإني [ ص: 52 ] المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك توددا لي وأتبغض إليك ، ولكن الثقة بك حملتني على الجرأة عليك ، فعد بفضلك علي ، إنك أنت التواب الرحيم . المنصور
قال: فأخذته فصيرته في جيبي ، ثم لم يكن لي هم غير أمير المؤمنين ، فدخلت فسلمت عليه ، فرفع رأسه ينظر إلي ويبتسم ، ثم قال لي: ويلك ، تحسن السحر .
فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين . ثم قصصت عليه أمري مع الشيخ ، فقال: هات الرق .
ثم جعل يبكي ، ثم قال: به نجوت ، وأمر بنسخه ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثم قال: أتعرفه؟ قلت: لا . قال: ذاك الخضر .