[ ص: 205 ] باب المهدي ذكر خلافة
واسمه محمد بن عبد الله ، ويكنى أبا عبد الله ، ولد بإيذج سنة سبع وعشرين ومائة ، وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية ، وكان أبيض - وقيل: أسمر - طويلا جعدا ، وبعينه اليمنى نكتة بياض . قيل: كان ذلك باليسرى .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال:
أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن سلمان النجاد ، قال: حدثنا محمد بن عثمان العبسي ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا قال: حدثنا وكيع ، فضيل بن مرزوق ، عن ميسرة - يعني ابن حبيب - عن المنهال - يعني ابن عمرو - عن عن سعيد بن جبير ، قال: منا ابن عباس ، ومنا المنصور ومنا السفاح . المهدي
وقد روينا هذا الحديث من حديث الضحاك ، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا . والموقوف أصح . ابن عباس ،
حدثنا عبد الرحمن ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال: حدثنا قال: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ، أبو زيد عبد الرحمن بن حاتم المرادي ، قال: حدثنا قال: حدثنا نعيم بن حماد ، يحيى بن يمان ، قال: حدثنا سفيان [ ص: 206 ] وزائدة ، عن عاصم ابن أبي وائل ، [عن عن زر] عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي" "المهدي . وكان للمهدي من الولد: موسى ، وهارون ، والياقوتة ، وأمهم الخيزران أم ولده .
وعلي ، وعبيد الله ، وأمهما ريطة بنت أبي العباس السفاح وعباسة وإبراهيم لأم ولد .
وكان أراد أن يولي ابنه المنصور صالحا بعد ، فقال له المهدي : يا أمير المؤمنين ، لا تحملني على قطيعة الرحم فإن كان لا بد لك من إدخال آخر في هذا الأمر فوله قبلي ، فإن الأمر إذا صار إلي أحببت ألا يخرج عن ولدي . المهدي
ذكر صفة العقد الذي عقد للمهدي بالخلافة
روى علي بن محمد النوفلي ، عن أبيه ، قال : خرجت في السنة التي مات فيها أبو جعفر من طريق البصرة ، وكان أبو جعفر قد خرج على طريق الكوفة ، فلقيته بذات عرق ، فسرت معه ، فلما صار ببئر ميمون نزل بها ودخلنا مكة ، فقضيت عمرتي ثم كنت أختلف إلى مضربه فأقيم فيه إلى قرب الزوال ثم أنصرف .
وأقبلت علته تزداد ، فلما كانت الليلة التي مات فيها ولم نعلم صليت الصبح في المسجد الحرام مع طلوع الفجر ، ثم ركبت وأنا أساير محمد بن عون الحارثي ، فلقينا العباس بن محمد ، ومحمد بن سليمان في خيل ورجال يدخلان مكة فقال لي محمد بن عون: ما ترى هذين ودخولهما مكة ، قلت: أحسب الرجل قد مات ، فأرادا أن يحصنا مكة ، فكان ذلك كذلك ، فبينا نحن نسير إذا رجل يخفي صوته في طريق ونحن بعد في غلس قد جاء ، فدخل بين أعناق دابتينا ، ثم أقبل علينا فقال: والله مات الرجل ثم خفي عنا ، فمضينا حتى دخلنا العسكر ، فدخلنا إلى السرادق فسمعنا همسا من بكاء ، فقال لي الحسن بن زائدة: أتراه قد مات؟ فقلت: لعله ثقل أو أصابته غشية ، فما راعنا إلا بأبي العنبر الخادم الأسود خادم قد خرج علينا مشقوق الأقبية ، من بين يديه ومن [ ص: 207 ] خلفه وعلى رأسه التراب ، فصاح: واأمير المؤمنيناه . ثم خرج المنصور الربيع وفي يده قرطاس فقرأه:
بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى من يخلف بعده من بني هاشم وشيعته من أهل خراسان وعامة المسلمين - ثم ألقى القرطاس من يده وبكى وبكى الناس . فأخذ القرطاس وقال: قد أمكنكم البكاء ولكن هذا عهد أمير لا بد من أن أقرأه عليكم فأنصتوا رحمكم الله ، فسكت الناس ثم رجع إلى القراءة - أما بعد ، فإني كتبت كتابي هذا وأنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، وأنا أقرأ عليكم السلام ، وأسأل الله ألا يفتنكم ولا يلبسكم [شيعا] ، ولا يذيق بعضكم بأس بعض ، يا بني هاشم ويا أهل خراسان ، ثم أخذ في وصيتهم بالمهدي وإذكارهم البيعة له وحضهم على القيام بدولته والوفاء بعهده إلى آخر الكتاب .
وكان ذلك شيئا قد وضعه الربيع ثم نظر في وجوه الهاشميين ، وتناول الحسن بن زيد ، فقال: يا أبا محمد ، قم فبايع ، فقام الحسن وانتهى به الربيع إلى [ موسى بن المهدي فأجلسه بين يديه ، فتناول الحسن] يد موسى فبايعه للمهدي ، ثم جاء الربيع إلى محمد بن عون ، فأنهضه فبايع وبايع الناس ، ثم قال للهاشميين: انهضوا ، فنهضوا فدخلوا فإذا على سريره في أكفانه مكشوف الوجه ، فحملناه حتى أتينا به المنصور مكة ثلاثة أميال ، فكأني أنظر إليه حين أدنو من قائمة سريره حتى أحمله والريح تطير شعر صدغيه ، وكان قد وفر شعره للحلاق ، وقد نصل خضابه حتى أتينا به حفرته فدليناه فيها .
وبعث موسى بن المهدي والربيع مولى المنصور منارة البربري مولى بخبر المنصور المنصور وفاة للمهدي ، وبعثا بعده بقضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبردته التي يتوارثها الخلفاء مع وبالبيعة الحسن السروي ، وبعث أبو العباس الطوسي بخاتم الخلافة مع منارة أيضا . [ ص: 208 ]
وفي رواية عن الربيع ، أنه قال : رأى في طريق الحج رؤيا ففزع منها وقال: المنصور
يا ربيع ما أحسبني إلا ميتا في وجهي هذا [وأنك تؤكد البيعة للمهدي] . وثقل وهو يقول: بادر بي إلى حرم الله وأمنه [يأمن ذنوبي وإسرافي على نفسي] ، فلما وصل إلى بئر ميمون قلت: قد دخلت الحرم ، فقال: الحمد لله وقضى من يومه .
وقال الربيع: وأمرت بالخيم فضربت ، وبالفساطيط فهيئت ، وعمدت إلى أمير المؤمنين فألبسته الطويلة والدراعة وأسندته وألقيت على وجهه كله [رقيقة] يرى منها شخصه ولا يفهم أمره ، ثم دخلت فوقفت بالموضع الذي أوهمهم أنه يخاطبني ثم خرجت ، فقلت: إن أمير المؤمنين مفيق بمن الله ، وهو يقرأ عليكم السلام ويقول:
إني أحب أن يؤكد الله أمركم ، ويكبت عدوكم ويسر وليكم وقد أحببت أن تجددوا البيعة لأبي عبد الله المهدي كيلا يطمع فيكم عدو ولا باغ ، فقال القوم كلهم: وفق الله أمير المؤمنين ، نحن إلى ذلك أسرع ، فدخل فوقف ثم رجع إليهم ، فقال: هلم للبيعة ، فبايع القوم كلهم ثم دخل ، وخرج باكيا مشقوق الجيب لاطما على رأسه ، فقال بعض من حضر: ويلي عليك يا ابن الشاة - يريد الربيع - كانت أمه ماتت وهو رضيع فأرضع على شاة .
وحفر مائة قبر لئلا يعرف موضع قبره ، ودفن في غيرها للخوف عليه ، وبويع للمنصور للمهدي بمكة صبيحة الليلة التي توفي فيها . المنصور
قال وكان أبو بكر الصولي: وزير الربيع بن أنس ، فلما توفي أخذ البيعة المنصور للمهدي ، فشكر له ذلك إلا أنه لم يوله الوزارة لغلبة المهدي أبي عبيدة معاوية بن عبد الله عليه ، فولى أبا عبيدة الوزارة ، والربيع الحجبة ، ثم وزر له ثم يعقوب بن داود ، الفيض بن أبي صالح .
وبعثوا منارة فوصل يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة ، فكتم الخبر يومين ، ثم خطب يوم الخميس ونعى إليهم المهدي وقال: إن أمير المؤمنين عبد الله [ ص: 209 ] دعي فأجاب ، واغرورقت عيناه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى عند فراق الأحبة ، ولقد فارقت عظيما وقلدت جسيما ، وعند الله أحتسب أمير المؤمنين ، وبه عز وجل أستعين على خلافة المسلمين ، ثم بايعه الناس . المنصور ،
وحكى أنه لما جلس أبو بكر الصولي للتعزية والتهنئة دخل عليه المهدي فأنشده : أبو دلامة
عينان واحدة ترى مسرورة بإمامها جذلى وأخرى تذرف تبكي وتضحك مرة ويسوءها
ما أنكرت ويسرها ما تعرف فيسوءها موت الخليفة محرما
ويسرها أن قام هذا الأرأف