يحب العلم ويؤثره ويستفيده ، الرشيد فنال علما كثيرا ، وكانت له فطنة قوية . كان
أخبرنا قال: أخبرنا أبو منصور القزاز أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال: حدثنا المعافى قال: حدثنا قال: حدثنا ابن دريد أبو حاتم عن قال: دخلت على الأصمعي ومجلسه حافل ، فقال: يا هارون الرشيد ما أغفلك عنا ، وأجفاك لحضرتنا؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك . فأمرني بالجلوس فجلست ، فلما تفرق الناس - إلا أقلهم - نهضت للقيام ، فأشار إلي أن أجلس ، فجلست حتى خلى المجلس ، فلم يبق غيري وغيره ومن بين يديه [من] الغلمان ، فقال لي: يا أصمعي أبا سعيد: ما ألاقتني؟ قلت: [ما] أمسكتني ، [وأنشدته] :
كفاك كف لا تليق درهما جودا وأخرى تعطى بالسيف الدما
فقال لي: أحسنت ، وهكذا فكن وقرنا في الملأ ، وعلمنا في الخلاء ، فأمر لي بخمسة آلاف درهم . وفي رواية دينار . [ ص: 323 ]قال وتأخرت عن الأصمعي: ثم جئته ، فقال: كيف كنت يا الرشيد أصمعي؟
قلت: بت والله بليلة النابغة - فقال: إنا لله هو والله قوله :
فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع
وقال أبو سعيد بن مسلم: الرشيد فوق فهم العلماء . أنشده كان فهم العماني في وصفة فرس بيت:
كأن أذنيه إذا تشرفا قادمة أو قلما محرفا
وكان يتواضع لأهل العلم والدين . الرشيد
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد المزني قال: أخبرنا أبو طاهر عبد الله بن محمد بن مرة قال: حدثنا حسن الأزدي قال: سمعت يقول: سمعت علي بن المديني أبا معاوية يقول:
أكلت مع طعاما يوما من الأيام فصب على يدي رجل لا أعرفه ، فقال الرشيد هارون: يا أبا معاوية تدري من يصب عليك؟ وقلت: لا ، قال: أنا قلت: أنت يا أمير المؤمنين ، قال: نعم إجلالا للعلم .
أخبرنا يحيى بن علي المدبر قال: أخبرنا أبو جعفر بن ابن المسلمة قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد بن سويد قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال:
حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال: سمعت علي بن عبد الله - يعني ابن المديني - قال: قال أبو معاوية الضرير:
حدثت بهذا الحديث - يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: الرشيد - فبكى "وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل" هارون حتى انتحب ، ثم قال: يا أبا معاوية ترى [لي] أن أغزو؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ، مكانك في الإسلام أكبر ، ومقامك أعظم ، [ ص: 324 ] ولكن ترسل الجيوش ، قال أبو معاوية: وما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قال صلى الله على سيدي .
وكان معظما للسنة شديد النفور من البدع . الرشيد
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل العطار قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: سمعت يقول: قال علي بن المديني محمد بن حازم: كنت أقرأ حديث عن الأعمش أبي صالح على أمير المؤمنين هارون ، فكلما قلت قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: صلى الله على سيدي ومولاي ، حتى ذكرت التقاء آدم وموسى فقال عمه: يا محمد ، أين التقيا؟ فغضب وقال: من طرح إليك هذا؟ وأمر به فحبس ، فدخلت إليه في حبسه فقال: يا هارون الرشيد محمد ، والله ما هو إلا شيء خطر ببالي ، وحلف لي بالعتق وصدقة المال ، وغير ذلك من معضلات الأيمان ما سمعته من أحد ولا جرى بيني وبين أحد فيه كلام . قال: [فكلمته فيه] فأمر به فأطلق من الحبس ، وقال لي: يا محمد ، ويحك ، إنما توهمت أنه طرح إليه بعض الملحدين بهذا الكلام فأردت أن يدلني عليهم فأستفتحهم وإلا فأنا على يقين أن القرشي لا يتزندق .
إذا عرف الصواب رجع إليه سريعا الرشيد . وكان
أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي قال: حدثنا أبو الطيب النعمان بن أحمد القاضي قال: حدثنا أحمد بن زكريا بن سفيان قال سمعت أصحابنا يقولون: قال أبو معاوية:
دخلت على فقال لي: يا هارون [الرشيد] أبا معاوية ، لهممت أنه من تثبت خلافته علي فعلت به وفعلت [به] . فسكت ، فقال لي: تكلم [تكلم] . فقلت: إن أذنت لي تكلمت . فقال: تكلم ، قلت: يا أمير المؤمنين ، قالت تيم منا خليفة رسول الله ، وقالت [ ص: 325 ] عدي: منا خليفة خليفة رسول الله ، وقالت بنو أمية ، منا خليفة الخلفاء ، فأين حظكم يا بني هاشم من الخلافة؟ والله ما حظكم فيها إلا رضي الله عنه ، فقال: علي بن أبي طالب
والله يا أبا معاوية لا يبلغني أن أحدا لم يثبت خلافة علي إلا فعلت به كذا وكذا .
يستقبح المدح بالكذب ويذم المادح به الرشيد . قال يوما لبعض ولاته: وكان
كيف تركت الناس؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، أحسنت فيهم السيرة وأنسيتهم سيرة العمرين . فغضب واستشاط وقال: ويلك يا ابن الفاعلة ، العمرين العمرين ، وأخذ سفرجلة فرماه بها فكادت تهلكه ، وأخرج من بين يديه . الرشيد
وكان يكثر الحج والغزو واتخذ قلنسوة مكتوبا عليها: غاز حاج . الرشيد
قال ابن البراء: كان يحج سنة ويغزو سنة ، حج بالناس ست مرات ، [فقال داود بن رزين] :
بهارون لاح البدر في كل بلدة وقام به في عدل سيرته النهج
إمام بذات الله أصبح شغله وأكثر ما يعنى به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عن نور وجهه إذا ما بدا للناس منظره البلج
وإن أمين الله هارون بالندى ينيل الذي يرجوه أضعاف ما يرجو
فمن يطلب لقاءك أو يرده فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو علي طمر وفي أرض البنية فوق كور
غضبت لغضبتك القواطع والقنا لما نهضت لنصرة الإسلام
ناموا إلى كنف بعدلك واسع وسهرت تحرس غفلة النوام
وسدت بهارون الثغور فأحكمت به من أمور المسلمين المرائر
وما انفك معقودا بنصر لواؤه له عسكر عنه تشظى العساكر
فكل ملوك الروم أعطاه جزية على الرغم قسرا عن يد وهو صاغر
إلى وجهه تسمو العيون وما سمت إلى مثل هارون العيون النواظر
ترى حوله الأملاك من آل هاشم كما حفت البدر النجوم الزواهر
إذا فقد الناس الغمام تتابعت عليهم بكفيك الغيوث المواطر
على ثقة ألقت إليك أمورها قريش كما ألقى عصاه المسافر
فطورا يهزون القواطع والقنا وطورا بأيديهم تهز المخاصر
ليهنكم الملك الذي أصبحت بكم أسرته مختالة والمنابر
أبوك ولي المصطفى دون هاشم وإن رغمت من حاسديك المناخر