919 - جوهرة العابدة البراثية .
نزلت مع زوجها أبي عبد الله البراثي ، وكانت جارية لبعض الملوك فعتقت وتركت الدنيا ، وتزوجت أبا عبد الله ، وتعبدت معه ، وكانت تحرضه على العبادة ، وتوقظه من الليل وتقول: يا أبا عبد الله كروان برفت ، معناه: قد سارت القافلة .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب الوراق قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني قال: حدثنا حكيم بن جعفر قال:
كنا نأتي أبا عبد الله بن أبي جعفر الزاهد ، وكان يسكن براثا ، وكانت له امرأة متعبدة يقال لها جوهرة ، وكان يجلس على جلة خوص بحرانية ، وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى ، فأتيناه يوما وهو جالس على الأرض ليست الجلة تحته ، فقلنا له يا أبا [ ص: 332 ] عبد الله ، ما فعلت الجلة التي كنت تقعد عليها؟ قال: أرى جوهرة أيقظتني البارحة ، فقالت: أليس يقال في الحديث: "إن الأرض تقول لابن آدم تجعل بيني وبينك سترا وأنت غدا في بطني" ؟ قال: قلت: نعم ، قالت: هذه الجلال لا حاجة لنا فيها . فقمت والله فأخرجتها .
وقد روينا عن أبي شعيب الزاهد البراثي أن جارية من بنات الكبار من أبناء الدنيا نظرت إلى زهده ، فتزوجت به وتركت الدنيا وجرت لها معه مثل هذه القصة في فرش من خوص .
920 - الربيع بن يونس بن محمد بن يونس بن أبي فروة - واسم أبي فروة: كيسان - .
مولى وحاجبه ، ووزر له بعد أبي جعفر المنصور أبي أيوب المرزباني .
أنبأنا أبو بكر بن محمد بن الحسين الحاجي قال: أخبرنا أحمد بن أحمد بن سليمان الواسطي قال: أخبرنا أبو أحمد الفرضي قال: أخبرنا قال: أخبرنا أبو عمر الزاهد عن ثعلب ، ابن شبيب ، عن الزبير قال: حدثني عمرو بن عثمان قال: دخل أمير المؤمنين قصرا فرأى في جداره مكتوبا: المنصور
وما لي لا أبكي بعين حزينة وقد قربت للظاعنين حمول
وتحته مكتوب: إيه إيه . قال أبو عمر: ويروى آه آه . فقال : أي شيء أه أه؟ فقال له المنصور الربيع وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب: يا أمير المؤمنين ، إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي ، فقال قائله: الله ، ما كان أظرفه ، فكان هذا أول ما ارتفع به الربيع .وقد روى أن أبو الفرج الأصبهاني: الربيع قال: كنت في خمسين وصيفا أهدوا ففرقنا في خدمته ، فصرت إلى للمنصور ، ياسر صاحب وضوئه ، فكنت أراه يعطيه الإبريق في المستراح ، ويقف مكانه لا يبرح . فقال لي يوما: كن مكاني في هذا ، فكنت [ ص: 333 ] أعطيه الإبريق ، وأخرج مبادرا ، فإذا سمعت حركته بادرت إليه فقال لي: ما أخفك على قلبي يا غلام ، ثم دخل قصرا فرأى حيطانه مملوءة من الشعر وإذا بخط منفرد فقرأه فإذا هو:
وما لي لا أبكي وأندب ناقتي إذا صدر الرعيان نحو المناهل
وكنت إذا ما اشتد شوقي رحلتها فسارت لمحزون طويل البلابل
قال لم يزل أبو بكر الصولي: الربيع وزير حتى توفي المنصور المنصور بمكة ، فأخذ الربيع للمهدي البيعة ، فشكر له ذلك ، وجعله حاجبه ، ولم يستوزره . المهدي
أخبرنا قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحسين بن علي الصيمري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن علي الصيرفي قال: حدثنا محمد بن عمر بن سالم الحافظ قال: ذكروا أنه لم ير في الحجابة أعرق من الربيع ، حاجب أبي جعفر ومولاه ، ثم صار وزيره ، ثم حجب للمهدي ، ومن ولده الفضل [بن الربيع] حجب هارون ، ومحمد الأمين ، وابنه عباس بن الفضل حجب الأمين ، فعباس حاجب ابن حاجب ابن حاجب .
وقد مدحهم أبو نواس في قوله:
سار الملوك ثلاثة ما منهم إن حصلوا إلا أعز قريع
عباس عباس إذا اخترم الورى والفضل فضل والربيع ربيع
921 - فتح بن محمد بن وشاح ، أبو محمد الأزدي الموصلي .
ذكر المعافى بن عمران أنه لم يكن أعقل منه .
[قال مؤلف الكتاب] : وليس هذا بفتح الموصلي المكنى بأبي نصر ، فإن أبا نصر مات في سنة عشرين ومائتين وابن وشاح مات سنة سبعين ومائة وأكثر الحكايات عن أبي نصر لا عن أبي محمد .
922 - موسى الهادي ، أمير المؤمنين ابن المهدي .
اختلفوا في سبب موته قال بعضهم: كان في جوفه قرحة ، وكانت سبب منيته .
وحكى عن جماعة أنهم قالوا: إن أبو جعفر ابن جرير الطبري الخيزران أمه أمرت بقتله ، فأنا أستبعد ذلك .
قالوا: وكانت في أول خلافته تفتات عليه في أمور ، وتسلك به مسلك أبيه في الاستبداد بالأمر والنهي ، وكانت إذا سألته حاجة قضاها فانثال الناس إليها ، فأرسل إليها: لا تخرجي من خفر الكفاية إلى بذاذة التبذل ، فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض في أمر الملك ، وعليك بصلاتك وسبحتك ، ولك بعد هذا طاعة مثلك ، فكلمته يوما في أمر فاعتل بعلة ، فقالت: لا بد من إجابتي ، فقال: لا أفعل ، قالت: فإني قد ضمنت [قضاء] هذه الحاجة . قال: والله لا أقضيها لك ، فقالت: إذا والله لا أسألك حاجة أبدا . قال: إذن والله لا أبالي ، وغضب ، فقامت مغضبة ، فقال: مكانك [حتى] تستوعبي كلامي والله ، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد لأقبضن ماله ، ولأضربن عنقه ، ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك؟! أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك أو يصونك!؟ إياك ثم إياك أن تفتحي بابك لملي أو ذمي . فانصرفت ما تعقل . [ ص: 335 ]
قال وذكر قوم أن سبب موت ابن جرير: أنه لما أخذ في خلع الهادي: هارون والبيعة لابنه جعفر خافت الخيزران على هارون منه ، فدست من جواريها لما مرض من غمه وجلس على وجهه ، ووجهت إلى إن الرجل قد توفي ، فاجدد في أمرك . يحيى بن خالد:
وكان قد أمر أن لا يسار قدام الهادي بحربة ، فاجتنبه الناس وتركوه ، وطابت نفس الرشيد هارون بالخلع لشدة خوفه على نفسه ، فخلعته جماعة من القواد وبايعوا لجعفر بن موسى ، ودخل هارون على موسى فقال له: يا هارون ، كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا ، فقال: إني لأرجو [أن يفضي] الأمر إلي ، فأنصف وأصل ، فقال له: ذلك الظن بك ، فأجلسه معه وأمر له بألف ألف دينار ، وكانت الرؤيا أن قال: رأيت في منامي كأني دفعت إلى المهدي موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من أعلاه قليلا ، وأورق في قضيب هارون من أوله إلى آخره ، فدعا المهدي فقال له: اعبر هذه الرؤيا ، فقال: يملكان جميعا فتقل أيام الحكم بن موسى موسى ، ويبلغ هارون آخر مدى ما عاش خليفة ، وتكون أيامه أحسن أيام . فلم يلبث إلا يسيرا حتى اعتل ثلاثة أيام ومات . الهادي
وحكى أنه خرج على ظهر قدمه بثرة ، فصارت كاللوزة ، وافتصد ومات بعد ثلاث ، وجاءت أمه أبو بكر الصولي: الخيزران وبه رمق ، فأخذت خاتمه من يده وقالت: أخوك أحق بهذا الأمر منك . وهو يرى ذلك ولا يقدر على حيلة .
توفي الهادي بعيساباذ للنصف من ربيع الأول من هذه السنة ، وقيل: لثلاث عشرة بقيت من ربيع وهو ابن ست وعشرين سنة ، وقيل: ثلاث وعشرين ، وصلى عليه أخوه هارون ودفن في بستانه بعيساباذ ، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة عشر يوما ، وقيل:
سنة وثلاثة أشهر ، وقيل وشهرين وأحد عشر يوما . [ ص: 336 ]
923 - مولاهم معاوية بن عبيد الله بن يسار ، أبو عبيد الله الأشعري من أهل طبرية .
ولد سنة مائة ، وكتب الحديث ، وسمع أبا إسحاق السبيعي ، ونحوهما ، وكان خيرا فاضلا عالما ، وكان يكتب ومنصور بن المعتمر للمهدي قبل الخلافة رسمه له ، وكان جميع أمر المنصور إليه ، فلا يخالفه في شيء ، ثم وزر له . المهدي
أنبأنا المحمدان ابن عبد الباقي وابن عبد الملك قالا: أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أنبأنا قال: حدثني القاضي أبو الحسن الدارقطني أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبيد الله بن نصر قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الملك السراج قال: حدثني عيسى بن أبي عباد قال: حدثني عبيد الله بن سليمان بن أبي عبيد الله قال: أبلى أبو عبيد الله مصليين ، وأسرع في الثالث - أو ثلاثة وأسرع في الرابع - موضع الركبتين والوجه واليدين لكثرة صلاته ، [قال:] وكان له في كل يوم كر دقيق يتصدق به على المساكين ، وكان يلي ذلك مولى له ، فلما اشتد الغلاء أتاه فقال: قد غلا السعر ، فلو نقصنا من هذا؟ فقال: أنت شيطان ، أو رسول الشيطان ، صيره كرين . فكان له في كل يوم بعد ذلك كران يخبزان للمساكين قال: وأخبرت أن الجسور يوم مات امتلأت فلم يعبر عليها إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل والمساكين ، ودفن في مقابر قريش ببغداد وصلى عليه علي بن المهدي .
توفي في هذه السنة ، وقيل: في السنة التي قبلها . [ ص: 337 ]