أحد أئمة القراء ، من أهل الكوفة ، استوطن بغداد ، وعلم ، ثم الرشيد بعده ، وكان قد قرأ على الأمين حمزة الزيات ، فأقرأ ببغداد زمانا بقراءة حمزة ، ثم اختار لنفسه قراءة ، فأقرأ بها الناس .
[ ص: 169 ] وقد سمع الحديث من ، أبي بكر بن عياش ، وآخرين . وسفيان بن عيينة
وروى عنه : الفراء ، وأبو عبيد .
وقال : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الشافعي . الكسائي
أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أحمد بن ثابت ، أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي ، أخبرنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي ، حدثنا أبو علي الحسن بن داود ، حدثنا أبو جعفر عقدة ، حدثنا أبو يزيد الوضاحي قال : قال لي الفراء : إنما تعلم النحو على الكبر ، وكان سبب تعلمه : أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعي ، فجلس إلى الهبارين فقال : قد عييت . فقالوا له : أتجالسنا وأنت تلحن ؟ ! فقال : كيف لحنت ؟ فقالوا له : إن كنت أردت من التعب فقل أعييت ، وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتدبير والتحير في الأمر فقل : عييت - مخففة فأنف من هذه الكلمة وقام من فوره ، فسأل عمن يعلم النحو . فأرشدوه إلى الكسائي معاذ الهرا ، فلزمه حتى أنفذ ما عنده ، ثم خرج إلى البصرة [فلقي الخليل وجلس في حلقته ، فقال له رجل من الأعراب : تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة ، وجئت إلى البصرة ؟ ] فقال للخليل : من أين أخذت علمك [هذا ] ؟ فقال : من بوادي الحجاز ، ونجد ، وتهامة . فخرج ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظه ، ولم يكن له همة غير [ البصرة و ] الخليل ، فوجد الخليل قد مات وقد جلس موضعه يونس النحوي ، [ ص: 170 ] فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه .
قال مؤلف الكتاب رحمه الله : وفي تسميته بالكسائي قولان :
أحدهما : أنه أحرم في كساء .
أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أحمد بن علي ، أنبأنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا عبد الواحد عمر بن محمد بن أبي هاشم ، حدثني محمد بن سليمان بن محبوب ، حدثنا أبو عبد الرحمن البصري مردويه ، حدثنا علي بن عبد الله المدني ، حدثنا عبد الرحيم بن موسى قال : قلت للكسائي : لم سميت ؟ قال : لأني أحرمت في كساء . الكسائي
القول الثاني : أخبرنا به ، أخبرنا أبو منصور القزاز أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا محمد بن علي الصوري ، أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن القاسم القاضي ، حدثنا علي بن محمد الحراني ، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال : سألت : لم سمي خلف بن هشام كسائيا ؟ قال : دخل الكسائي الكسائي الكوفة فجاء إلى مسجد السبيع ، وكان يقرئ فيه ، فتقدم حمزة بن حبيب الزيات مع أذان الفجر وهو ملتف بكساء ، فرمقه القوم بأبصارهم ، فقالوا : إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف ، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه ، فسمعهم ، فابتدأ بسورة يوسف ، فلما بلغ قصة الذئب قرأ : الكسائي فأكله الذئب بغير همز ، فقال له حمزة : الذئب بالهمز . فقال له : وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحؤت . قال : لا . قال : فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت ؟ وهذا فأكله الذئب ، وهذا فالتقمه الحوت ؟ فرفع الكسائي حمزة بصره إلى خلاد الأحول ، وكان أجمل غلمانه ، فتقدم إليه في جماعة [من ] أهل المجلس فناظروه فلم [ ص: 171 ] يصنعوا شيئا . فقالوا : أفدنا يرحمك الله . فقال لهم : تفهموا عن الحائك ؟ تقول إذا نسبت [الرجل ] إلى الذئب : قد استذأب الرجل ، فلو قلت : استذاب - بغير همز - لكنت إنما نسبته إلى الهزال ، تقول : قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه - بغير همز - وإذا نسبته إلى الحوت تقول : قد استحات الرجل ، أي كثر أكله ، لأن الحوت يأكل كثيرا ، لا يجوز فيه الهمز ، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت ، وفيه معنى آخر : لا تسقط الهمزة من مفرده ولا من جمعه ، وأنشدهم : الكسائي
أيها الذئب وابنه وأبوه أنت عندي من أذأب الضاريات
قال : فسمي من ذلك اليوم . الكسائي
أخبرنا أبو منصور ، أخبرنا أحمد الخطيب ، حدثنا الحسين بن محمد أخو الخلال ، حدثنا الصاحب إسماعيل بن عباد ، أخبرنا عبد الله بن محمد الأيجي ، أخبرنا محمد بن الحسن الأزدي ، حدثنا قال : وفد علينا عامل من أهل أبو حاتم السجستاني الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه ، فدخلت مسلما عليه ، فقال لي : يا سجستاني ، من علماؤكم بالبصرة ؟ قلت : الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي ، والمازني أعلمنا بالنحو ، وهلال الرأي أفقهنا ، والشاذكوني أعلمنا بالحديث ، وأنا رحمك الله أنسب إلى علم القرآن ، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط . قال : فقال لكاتبه : إذا كان غد فاجمعهم . قال : فجمعنا فقال : أيكم أبو عثمان المازني ؟ قال أبو عثمان : ها أنا ذا يرحمك الله . قال : هل يجزي في كفارة الظهار عتق عبد أعور ؟ قال المازني : لست صاحب فقه ، أنا صاحب عربية . فقال : يا زيادي ، كيف يكتب بين رجل وامرأة خالعها زوجها على الثلث من صداقها ؟ قال : ليس هذا من علمي ، هذا من علم هلال الرأي . قال : يا هلال ، كم أسند ابن عون عن الحسن ؟ قال : ليس هذا من علمي ، هذا من علم [ ص: 172 ] . قال : يا شاذكوني الشاذكوني يثنون صدورهم قال : ليس هذا من علمي ، هذا من علم أبي حاتم . قال : يا أبا حاتم ، كيف تكتب إلى أمير المؤمنين كتابا تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثرمة ، وتسأله لهم النظر والنظرة ؟ قال : لست - رحمك الله - صاحب بلاغة وكتابة ، أنا صاحب قرآن . فقال : ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحدا ، حتى إذا سئل عن غيره لم يجل فيه ولم يمر ، ولكن عالمنا بالكوفة لو سئل عن هذا كله أجاب . الكسائي
أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الأصفهاني ، حدثنا جعفر الخالدي ، حدثنا ، حدثنا ابن مسروق سلمة بن عاصم قال : قال : صليت الكسائي بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي ، فغلطت في آية ما غلط فيها صبي قط ، أردت أن أقول : ( لعلهم يرجعون) فقلت : لعلهم يرجعين ، فوالله ما اجترأ هارون [أن ] يقول لي أخطأت ، ولكنه لما سلمت قال لي : يا كسائي ، أي لغة هذه ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، قد يعثر الجواد . فقال : أما هذا فنعم .
أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أبو بكر بن علي ، أخبرنا هلال بن الحسن ، أخبرنا ابن الجراح ، أخبرنا قال : قال لي أبو بكر بن الأنباري الفراء : لقيت يوما فرأيته كالباكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : هذا الملك الكسائي يوجه إلي فيحضرني فيسألني عن الشيء ، فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عيب ، وإن بادرت لم آمن الزلل . قال : فقلت - ممتحنا له - : يا أبا الحسن ، من يعترض عليك قل ما شئت ، فأنت يحيى بن خالد . فأخذ لسانه بيده فقال : قطعه الله إن قلت ما لا أعلم . الكسائي
[ ص: 173 ] أخبرنا القزاز [أخبرنا الخطيب ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الثابتي ، أخبرنا أحمد بن موسى القرشي ، أخبرنا محمد بن يحيى الصولي ، حدثنا عون بن محمد الكندي ، حدثنا ] سلمة بن عاصم قال : حلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه ، فوقفت على نجار فقلت : بكم هذان البابان ؟ فقال : بسلحتان يا مصفعان .
توفي في هذه السنة . هكذا ذكر الكسائي ابن عرفة ، وابن كامل القاضي . وذكر أنه مات في سنة اثنتين وثمانين هو ابن الأنباري ومحمد بن الحسن ، فدفنهما ، قال : وبلغ الرشيد سبعين سنة . الكسائي
أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا أبو بكر بن مقسم ، حدثنا ابن فضلان ، حدثنا الكسائي الصغير ، حدثنا أبو مسحل قال : رأيت في النوم كأن وجهه البدر فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بالقرآن ، فقلت : ما فعل الكسائي حمزة الزيات ؟ قال : ذاك في عليين ما نراه إلا كما نرى الكوكب الدري . 1033 - مولاهم ، صاحب أبي حنيفة محمد بن الحسن بن فرقد ، أبو عبد الله الشيباني .
أصله دمشقي من قرية هناك ، قدم أبوه العراق فولد محمد بواسط في سنة اثنتين وثلاثين ، ونشأ بالكوفة وسمع العلم بها من ، أبي حنيفة ، ومسعر ، والثوري وعمر بن ذر ، ومالك بن مغول ، وكتب عن رضي الله عنهما ، مالك بن أنس ، والأوزاعي وأبي يوسف القاضي .
سكن بغداد وحدث بها ، وغلب عليه الرأي ، وبلغ فيه الغاية . وروى عنه : ، الشافعي وأبو عبيد وجماعة .
وخرج إلى الرقة ، بها ، فولاه قضاء والرشيد الرقة ، ثم عزله فقدم بغداد ، فلما [ ص: 174 ] خرج إلى الرشيد الري خرج معه ، فمات بالري .
وكان يقول : ترك أبي ثلاثين ألف درهم ، فأنفقت خمسة عشر ألفا على النحو والشعر ، وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه .
وكان يقول لأهله : لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا تشغلوا قلبي ، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلي ، فإنه أقل لهمي ، وأفرغ لقلبي .
أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ ، أخبرنا رضوان بن محمد الدينوري قال : سمعت الحسين بن جعفر العنزي يقول : سمعت أبا بكر بن المنذر يقول : سمعت المزني يقول : سمعت يقول : ما رأيت سمينا أخف روحا من الشافعي محمد بن الحسن ، وما رأيت أفصح منه ، كنت إذا رأيته يقرأ كأن القرآن أنزل بلغته .
وفي رواية عن : أنه قال : ما رأيت أعقل من الشافعي محمد بن الحسن ، وحملت عنه وقر بختي كتبا .
وقال رجل : في أي مسألة خالفك الفقهاء ؟ فقال للشافعي : وهل رأيت فقيها قط ، اللهم إلا أن يكون الشافعي محمد بن الحسن ، فإنه كان يملأ العين والقلب .
قال الطحاوي : وكان قد طلب من الشافعي محمد بن الحسن كتاب [السير ] فلم يجبه إلى الإعارة ، فكتب إليه :
قل للذي لم تر عين من رآه مثله
حتى كأن من رآه قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله
[ ص: 175 ]
لعله يبذله لأهله لعله
فوجه به إليه في الحال هدية لا عارية .
وقال : قلت إبراهيم الحربي : هذه المسائل الدقاق من أين لك ؟ قال : من كتب لأحمد بن حنبل محمد بن الحسن .
قال أحمد : وكان يذهب مذهب جهم .
وكذلك قال أبو زرعة : كان محمد بن الحسن جهميا .
قال نوح بن ميمون : دعاني محمد بن الحسن إلى القول بخلق القرآن ، فأبيت عليه .
أخبرنا أبو منصور ، أخبرنا أبو بكر الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال : سألت عن الدارقطني محمد بن الحسن فقال : قال : كذاب . يحيى بن معين
وقال فيه أحمد نحو هذا . وعندي لا يستحق الترك .
وقال : علي بن المديني محمد بن الحسن صدوق .
توفي محمد بن الحسن بالري في صحبة سنة تسع وثمانين ومائة ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة . الرشيد
قال : سمعت أبو عمر الزاهد أحمد بن يحيى يقول : توفي الكسائي ومحمد بن الحسن في يوم واحد ، فقال : دفنت اليوم اللغة والفقه . الرشيد
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف بن درست : مات محمد بن الحسن والكسائي [ ص: 176 ] في يوم واحد ، ومات في يوم واحد معروف الكرخي وأبو نواس ، ومات ابن دريد وأبو هاشم بن علي الجبائي في يوم واحد ، ومات ، الشبلي وعلي بن عيسى الوزير في يوم واحد ، ودفنا جميعا بالخيزرانية ومات محمد بن داود الأصفهاني ويوسف بن يعقوب القاضي في يوم واحد ، ومات القاضيان - وكان على قضاء الشرقية - أبو حسان الزيادي والحسن بن الجعد - وكان على مدينة - في يوم واحد ، ومات المنصور أبو العتاهية والعباس بن الأحنف وإبراهيم الموصلي في يوم واحد .
1034 - يحيى بن يمان ، أبو زكريا العجلي .
كوفي ، سمع ، وروى عنه : الثوري ، يحيى بن معين ، وكان صالحا صدوقا ، كثير الحفظ ، لكنه نسي فصار يغلط . والحسن بن عرفة
أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا علي بن محمد بن محمد المعدل ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا الحسن بن عمر قال : سمعت بشرا يقول : كنت جالسا بين يدي يحيى بن يمان . قال : فكنت أعجب من ثيابه ، وكان يعجب من ثيابي ، وذكر كثرة رقاع في جبة يحيى بن يمان . قال بشر : فمر إنسان عليه بزة فقال : ثيابك أحسن من ثيابي . قال بشر : أراد أن يقويني .
توفي يحيى بن يمان في هذه السنة . وقيل : في سنة ثمان ، وكان قد فلج .