ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1377 - . إسحاق بن إبراهيم المصعبي
كان يتولى الشرطة من أيام إلى أيام المأمون ، فتوفي في هذه السنة ، وسنه ثمان وخمسون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما . المتوكل
وبلغنا أنه دخل يوما على وعنده المتوكل الفتح بن خاقان ، وهما ينظران في أخلاط الكيمياء ويتراجعان القول فيه ، فلم يخض معهما في ذلك ، فقال له : يا المتوكل أبا إسحاق ما لك لا تتكلم معنا في هذا الباب ؟ فقال : يا أمير المؤمنين الكيمياء شيء لم يتعرض إليه الملوك قبلك ، ولا نظر فيه آباؤك ، ولكن أدلك على كيمياء هو الحق الصحيح ، قال : ما هو ؟ قال : تسلفني خمسين ألف دينار [من بيت المال ] أنفقها على مصالح السواد ، ثم تنظر ما يرتفع لك من الزيادة في العمارة ، قال : فأمر أن يحمل له من بيت المال [خمسون ألف دينار ] ، فحملت ، فانصرف إسحاق إلى مدينة السلام ، وكتب في إشخاص وجوه أهل السواد . فحضروا ، فقلدهم النفقة على كري الأنهار وحلف إن ضاع من المال درهم قبض الذي يجري التضييع في ناحيته ، ثم أحلفهم على [ ص: 226 ] استعمال العدل ، وزاد في الحماية وفي المعونة ، وأنفق على المصالح من الجملة تسعة عشر ألف دينار ، فلما كان آخر السنة عمل الحساب ، فحصل من السواد ثلاثمائة ألف كر ، وأربعة آلاف كر ، واثني عشر ألف ألف درهم ، فنظروا ، وإذا به قد رد كل دينار اثنين وثلاثين دينارا ، فحمل ذلك ، ورد باقي الخمسين ألفا ، وكتب بذلك إلى ، وقال : هذا الكيمياء الذي يجب على الخلفاء النظر فيه . المتوكل
1378 - إسحاق بن إبراهيم بن ميمون ، أبو محمد التميمي المعروف ولده بالموصلي .
قيل إنه ولد سنة خمسين ومائة ، وكتب الحديث عن ، سفيان بن عيينة وهشيم ، وأبي معاوية الضرير ، وغيرهم .
وأخذ الأدب عن ، الأصمعي وأبي عبيدة ، وبرع في علم الغناء ، فغلب عليه ، ونسب إليه ، وكان مليح المحاضرة ، حلو النادرة ، جيد الشعر ، مذكورا بالسخاء ، معظما عند الخلفاء .
صنف كتاب "الأغاني" فرواه عنه ابنه حماد ، ورواه عنه ، الزبير بن بكار وأبو العيناء وغيرهم .
أخبرنا قال : أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أبو بكر [أحمد بن علي ] بن ثابت
أخبرني أحمد بن محمد بن يعقوب الكاتب قال : حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن قفرجل قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا قال : حدثنا أبو العيناء إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، قال : جئت أبا معاوية الضرير ومعي مائة حديث أريد أن أقرأها عليه ، فوجدت في دهليزه رجلا ضريرا ، فقال لي : إنه قد جعل الإذن [لي ]
[ ص: 227 ]
عليه اليوم إلي لينفعني ، وأنت رجل جليل ، فقلت له : معي مائة حديث ، وأنا أهب لك عنها مائة درهم . فقال : قد رضيت ، ودخل فاستأذن لي فدخلت ، وقرأت المائة ، فقال لي أبو معاوية : الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس ، وأنت من رؤسائهم ، وهو ضعيف معتل ، وأنا أحب منفعته .
قلت [له ] : قد جعلتها مائة دينار . فقال : أحسن الله جزاءك ، فدفعتها إليه فأغنيته .
توفي إسحاق ببغداد في هذه السنة ، وكان يسأل الله تعالى أن لا يبتليه بالقولنج لما رأى من صعوبته على أبيه ، لأن أباه مات به ، فأري في منامه قد أجيبت دعوتك ، ولست تموت بالقولنج ، بل بضده ، فأخذه ذرب في رمضان هذه السنة فتوفي .
1379 - إيتاخ الأمير .
وقد سبق ذكر هلاكه .
1380 - . سليمان بن أيوب صاحب البصري
حدث عن . روى عن حماد بن زيد البغوي . قال يحيى : صدوق ثقة حافظ .
توفي في هذه السنة .
1381 - سريج بن يونس بن إبراهيم ، أبو الحارث المروزي .
حدث عن سفيان [بن عيينة ] ، وهشيم ، وغيرهم . وابن علية
روى عنه : ، مسلم بن الحجاج ، والبغوي وأبو زرعة وغيرهم . وكان ثقة صالحا له كرامات ، وكان قد جعل على نفسه أن لا يشبع ، ولا يغضب ، ولا يسأل أحدا حاجة . [ ص: 228 ]
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد ] قال : أخبرنا قال : أخبرنا أحمد بن [علي بن ] ثابت أبو بكر محمد بن عبد الله [الهيتي ] قال : أخبرنا أبو سعيد الحسين بن عبد الله بن روح قال : حدثني هارون بن رضا قال : سمعت أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد يقول : حدثني بقال ، قال : سريج بن يونس
جاءني سريج ليلا وقد ولد له ولد ، فأعطاني ثلاثة دراهم ، فقال : أعطني بدرهم عسلا ، وبدرهم سمنا ، وبدرهم سويقا ، ولم يكن عندي وكنت قد عزلت الظروف لأبكر فأشتري ، فقال لي : انظر قليلا إيش ما كان أمسح البراني ، فوجدت البراني والجرار ملأى ، فأعطيته شيئا كثيرا . فقال لي : ما هذا ؟ أليس قلت ما عندي شيء ؟
فقلت : خذ واسكت . فقال : ما آخذ أو تصدقني ، فخبرته بالقصة ، فقال : لا تحدث به أحدا ما دمت حيا .
أخبرنا ] أخبرنا عبد الرحمن [القزاز قال : ] أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الختلي . قال سمعت يقول : رأيت فيما يرى النائم أن الناس وقوف بين يدي الله تعالى ، وأنا في أول صف ، ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى ، فقال : أي شيء تريدون أن أصنع بكم ؟ فسكت الناس ، فقلت أنا في نفسي : ويحهم قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت . فقنعت رأسي بملحفتي ، وأبرزت عينا وجعلت أمشي ، وجزت الصف الأول [بخطى ] ، فقال لي : أي شيء تريد ؟ . سريج بن يونس
فقلت : رحمة سر بسر ، إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا ؟ قال : قد خلقتكم ولا أعذبكم أبدا ، ثم غاب في السماء . [ ص: 229 ]
وروى محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي قال : سمعت يقول : سريج بن يونس
مكثت أياما لم آكل أنا ولا صبياني شيئا ، وكنت يوما قاعدا في الدهليز فخرج الصبيان يشكون إلي ، فمر جار لي ، فسمع كلامهم فرمي إلي كيس . فقلت : يا فلان ، متى [جرت ] عادتك بذا ، خذ كيسك عافاك الله ! ! فقال الصبيان : هو ذا ، كبة غزل فبعها حتى تأكل بها خبزا . فخرجت فبعتها واشتريت لهم خبزا ، وعلمت أنه لا يكفيهم ، فلم آكل معهم ، ثم وضعت رأسي فنمت ، فجاء ملك فقال لي : قم فكأني قد جاءني بصحفة من ذهب فيها خبز لم أر مثله في الدنيا وشهد وزبد ، فقال لي : كل ، فأكلت ومكثت أياما لا أشتهي الطعام .
توفي سريج في ربيع الأول من هذه السنة .
1382 - شجاع بن مخلد ، أبو الفضل البغوي .
ولد سنة خمسين ومائة ، وحدث عن هشيم ، ، وابن علية . وابن عيينة
وروى عنه وغيره ، وكان صدوقا . توفي في هذه السنة ، ودفن في مقابر أبو القاسم البغوي باب التين .
1383 - عبد الله محمد بن إبراهيم ، أبو بكر العبسي ، المعروف بابن أبي شيبة .
ولد سنة تسع وخمسين ومائة ، وسمع شريك بن عبد الله ، وسفيان بن [ ص: 230 ] عيينة ، وهشيما ، وغيرهم . وعبد الله بن المبارك
روى عنه : ، وابنه أحمد بن حنبل عبد الله ، ، وعباس الدوري وغيرهم . والبغوي
وكان حافظا متقنا صدوقا مكثرا ، صنف "المسند" و "التفسير" وغير ذلك .
أخبرنا أخبرنا [عبد الرحمن بن محمد ] القزاز ، أخبرني [أحمد بن علي ] الخطيب أبو الحسن محمد بن عبد الواحد قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني قال : حدثنا الحسن بن محمد بن شعبة قال : حدثني محمد بن إبراهيم مربع قال : قدم علينا فانقلبت به أبو بكر بن أبي شيبة بغداد ، ونصب له المنبر في مسجد الرصافة ، فجلس عليه فقال من حفظه : حدثنا شريك ثم قال : هي بغداد ، وأخاف أن تزل قدم بعد ثبوتها ، يا أبا شيبة هات الكتاب .
قال أحمد : أبو شيبة ابنه واسمه إبراهيم .
أخبرنا القزاز [عبد الرحمن بن محمد ] أخبرنا أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب أبو سعيد الماليني أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن أسامة الكلبي قال : أخبرنا [عبد الله ] بن أبي زياد ، عن قال : انتهى الحديث إلى أربعة : أبي عبيد القاسم بن سلام ، أبي بكر بن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ] ، [وعلي بن المديني فأبو بكر أسردهم للحديث ، أفقههم فيه ، وأحمد ويحيى أجمعهم له ، أعلمهم به . وعلي بن المديني
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [القزاز قال : ] أخبرنا ] أحمد بن علي [الخطيب
[ ص: 231 ]
أخبرنا قال : أخبرنا ابن رزق أبو بكر أحمد بن إسحاق بن وهب ، أخبرنا أبو غالب علي بن أحمد بن النضر قال : قال : قدم علينا علي بن المديني أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى وعبد الرحمن باقيين ، فأراد الخائب - يعني سليمان الشاذكوني - أن يذاكره ، فاجتمع الناس في المسجد الجامع عند الأسطوانة وأبو بكر وأخوه ، ومشكدانة ، وعبد الله بن البراء وغيرهم وكلهم سكوت إلا أبا بكر فإنه يهدر .
قال : والأسطوانة هي التي يجلس إليها ابن عدي ابن سعيد .
[قال ابن سعيد : هي أسطوانة [عبد الله ] بن مسعود ، وجلس إليها بعده علقمة ، وبعده إبراهيم ، [وبعده منصور ] ، وبعده ، وبعده الثوري ، وبعده وكيع [أبو بكر ] بن أبي شيبة ، وبعده مطين ، وبعده ابن سعيد ] .
توفي أبو بكر في محرم هذه السنة .
1384 - عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، أبو سعيد الجشمي مولاهم ، المعروف بالقواريري .
بصري سكن بغداد ، وحدث بها عن ، حماد بن زيد وأبي عوانة ، وسفيان ، وهشيم ، وغيرهم . روى عنه : أحمد ، ويحيى ، وأبو داود السجستاني ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، ، وإبراهيم الحربي ، وكان ثقة . والبغوي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي .
وأخبرنا محمد بن ناصر قال : أخبرنا نصر بن أحمد ، قالا : أخبرنا محمد بن رزق [ ص: 232 ] قال : سمعت أبا القاسم علي بن الحسن بن زكريا القطيعي يقول : [سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول : ] سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول : لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة فنزل بي ضيف فشغلت به ، فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة ، فإذا الناس قد صلوا .
فقلت في نفسي : قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : وروي خمسا وعشرين ، وروي سبعا وعشرين . "صلاة الجمع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة"
فانصرفت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة ثم رقدت ، فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب فرسا كأفراسهم ، ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي ، فجعلت أضربه لألحقهم ، فالتفت إلي أحدهم فقال : لا تجهد نفسك ، فلست تلاحقنا ، قلت : ولم [ذاك ] ؟ قال : لأنا صلينا العتمة في جماعة .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا قال : أحمد [بن علي ] بن ثابت
أخبرنا أبو الغنائم محمد بن الفراء البصري قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن جعفر العطار قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال : حدثنا إسماعيل بن أبي اليمان الحارثي قال : سمعت حفص بن عمرو الربالي يقول : رأيت عبيد الله بن عمر القواريري في منامي بعد موته ، فقلت : ما صنع الله بك ؟
قال : غفر لي وعاتبني ، وقال : يا عبيد الله ، أخذت من هؤلاء القوم ؟ قلت : يا رب أنت أحوجتني إليهم ، ولو لم تحوجني لم آخذ ، قال : إذا قدموا علينا كافأناهم عنك ، [ ص: 233 ] ثم قال لي : أما ترضى أن أكتبك في أم الكتاب سعيدا ! توفي في ذي الحجة من هذه السنة . القواريري
1385 - عبد الصمد بن يزيد ، أبو عبد الله الصائغ ، ويعرف بمردويه :
سمع ، الفضيل بن عياض ، وسفيان بن عيينة ، وكان ثقة من أهل السنة والورع ، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة . ووكيعا
1386 - محمد بن حاتم بن ميمون ، أبو عبد الله ، ويعرف بالسمين :
روى عن ، سفيان بن عيينة ، وابن مهدي وغيرهم ، واختلفوا في تعديله . ووكيع
أخبرنا أخبرنا أبو منصور [عبد الرحمن بن محمد ] القزاز قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ محمد بن الحسين القطان قال : أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا سهل بن أحمد الواسطي ، حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال :
محمد بن حاتم ليس بشيء .
أخبرنا القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : قرأت على أبي بكر البرقاني ، عن أبي إسحاق [إبراهيم بن محمد ] المزكي قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال :
سمعت أحمد بن محمد الجعفي يقول : سمعت يقول : يحيى بن معين محمد بن حاتم كذاب .
وأخبرنا قال : قال لنا البرقاني : الدارقطني محمد بن حاتم السمين بغدادي
[ ص: 234 ]
ثقة . وقال : ابن قانع محمد بن حاتم صالح .
توفي في ذي الحجة من هذه السنة .
[1387 - محمد بن الهزيل بن عبد الله بن مكحول ، أبو الهذيل العلاف العبدي البصري ، مولى عبد القيس . ]
وكان شيخ المعتزلة ومصنف الكتب في مذاهبهم . ولد سنة خمس وثلاثين ومائة ، وكان يقول : علم الله هو الله ، وقدرة الله هي الله ، ونعيم الجنة يفنى ، وأهل الجنة تنقطع حركاتهم فيها حتى لا ينطقون بكلمة . وكان فاسقا في باب الدين .
وقد روى أحاديث عن سليمان بن قرم ، وغياث بن إبراهيم ، وهما كذابان مثله .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرني الصيمري قال : حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال : حدثني أبو الطيب إبراهيم بن محمد بن شهاب العطار قال : روى أبو يعقوب الشحام قال : قال لي أبو الهذيل : أول ما تكلمت كان لي أقل من خمس عشرة سنة ، وكنت أختلف إلى عثمان الطويل صاحب واصل بن عطاء ، فبلغني أن رجلا يهوديا قدم البصرة وقد قطع عامة متكلميهم ، فقلت لعمي : يا عم ، امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه ، فقال لي : يا بني ، هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة ، أفمن جدك أن تكلم من لا طاقة لك بكلامه . فقلت : لا بد من أن تمضي بي إليه ، وما عليك مني غلبني أو غلبته ، فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي ، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه بنبوة موسى ، ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فيقول : نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى إلى أن نتفق على نبوة غيره فنقر به .
قال : فدخلت عليه ، فقلت له : أسألك أو تسألني ؟ فقال لي : يا بني أو ما ترى [ ص: 235 ] ما أفعله بمشايخك ؟ فقلت له : دع عنك هذا واختر ، إما أن تسألني ، أو أسألك . فقال :
بل أسأل .
أخبرني ، أليس موسى نبيا من أنبياء الله تعالى قد صحت نبوته ، وثبت دليله ، تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك ؟
فقلت [له ] : إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين ، أحدهما :
إني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا [محمد صلى الله عليه وآله وسلم ] وأمر باتباعه ، وبشر به وبنبوته ، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته ، وإن كان موسى الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يأمرنا باتباعه ، ولا بشر به ، فلست أعرفه ولا أقر بنبوته ، بل هو عندي شيطان مخزى .
فتحير لما ورد عليه ما قلته له وقال لي : فما تقول في التوراة ؟ قلت : أمر التوراة عندي أيضا على وجهين ، إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى النبي الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي التوراة الحق ، وإن كانت أنزلت على الذي تدعيه فهي باطل غير حق ، وأنا غير مصدق بها .
فقال لي : أحتاج أن أقول لك شيئا بيني وبينك ، فظننت أنه يقول شيئا من الخير ، فتقدمت إليه ، فسارني وقال : أمك كذا وكذا ، وأم من علمك ، لا يكنى . وقدر أني أثب به فيقول : قد وثبوا بي وشغبوا علي ، فأقبلت على من كان في المجلس فقلت : أليس قد عرفتم مسألته إياي ، وجوابي له ؟ فقالوا : نعم . فقلت : أليس عليه أن يرد جوابي ؟
قالوا : نعم . قلت : إنه لما سارني شتمني الشتم الذي يوجب الحد ، وشتم من علمني ، وإنما قدر أني أقوم أثب به ، فيدعي أنا واثبناه وشغبنا عليه ، وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه . فأخذته الأيدي والأكف بالنعال ، فخرج هاربا من البصرة وقد كان له بهادين كثير ، فتركه وخرج لما لحقه من الانقطاع . [ ص: 236 ]
أخبرنا قال : أخبرنا [أبو منصور ] القزاز ] قال : أخبرني أحمد بن علي [بن ثابت علي بن أيوب القمي قال : أخبرني قال : أخبرني محمد بن عمران الكاتب محمد بن العباس قال : حدثنا محمد بن يزيد النحوي ، عن ، قال : لقي اللصوص قوما فيهم الجاحظ أبو الهذيل فصاحوا وقالوا : ذهبت ثيابنا . قال : ولم ؟ كلوا الحجة إلي ، فو الله لا أخذوها أبدا ، وظنوا أنهم خوارج يأخذون بمناظرة ، فقالوا : إنهم لصوص يأخذون الثياب بلا حجة ، فقال : ذهبت الثياب والله .
أخبرنا القزاز قال : أخبرنا قال : ] أخبرنا أحمد بن علي [الخطيب أبو منصور أحمد بن عيسى بن عبد العزيز قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي ، قال : حدثنا أبو الحسن الواقصي قال : حدثنا أحمد بن يحيى المنجم قال : أخبرني أبي قال : لقي أبا الهذيل مسقف ، فقال له : انزع ثيابك وأخذ بمجامع جيبه فقال أبو الهذيل :
استحالت المسألة . قال : ولم ؟ قال : تمسك موضع النزع وتقول : انزع ، أبن لي ، أنزع القميص من ذيله أو من جيبه ؟ فقال له : أنت أبو الهذيل ؟ قال : نعم ! قال : فانصرف راشدا .
توفي أبو الهذيل في سنة خمس وثلاثين ومائتين وقد تم له مائة سنة . [ ص: 237 ]