[ ص: 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
[تتمة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة]
[باب ذكر المتقي بالله] خلافة
واسمه إبراهيم بن المقتدر [و] يكنى أبا إسحاق ، وأمه أم ولد تسمى خلوب ، أدركت خلافته . وولد في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين ، وكان قد اجتمع الأشراف والقضاة في دار بجكم وشاوروه فيمن يولون ، فاتفقوا عليه ، فحمل من داره - وكانت بأعلى الحريم الظاهري - إلى دار الخلافة ، فصعد إلى رواق التاج فصلى ركعتين على الأرض وجلس على السرير ، وبايعه الناس وكان استخلافه يوم الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من هذه السنة .
ولم يغدر بأحد قط ، ولا تغير على جاريته التي كانت له قبل الخلافة ، ولا تسرى عليها ، وكان حسن الوجه ، مقبول الخلق ، قصير الأنف ، أبيض مشربا بحمرة ، في شعره شقرة وجعودة ، كث اللحية ، أشهل العينين ، أبي النفس ، لم يشرب النبيذ قط .
وكان يتعبد ويصوم جدا ، وكان يقول: المصحف نديمي ، ولا أريد جليسا [ ص: 4 ] غيره ، فغضب الجلساء من هذا ، حتى قال - وأودع هذا الكلام في كتابه المسمى بالأوراق ، فقال : ما سمع بخليفة قط قال: [أنا] لا أريد جليسا ، أنا أجالس المصحف ، سواه ، أفتراه [ظن] أن مجالسة المصحف خص بها دون آبائه وأعمامه الخلفاء ، وأن هذا الرأي غمض عنهم وفطن له . أبو بكر الصولي
قال المصنف: فاعجبوا لهذا المنكر للصواب ، وهو يعلم أنه كان هو والجلساء لا يكادون يشرعون فيما ينفع ، وأقله المدح ، فليته إذ قال هذا لم يثبته في تصنيف .
وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى: فرغ من مسجد براثا وجمع فيه الجمعة .
أخبرنا قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال: كان في الموضع المعروف أحمد [بن علي] بن ثابت ببراثا مسجد يجتمع فيه قوم ممن ينسب إلى التشيع ، يقصدونه لا للصلاة والجلوس ، فرفع إلى أن المقتدر بالله الرافضة يجتمعون في ذلك المسجد لسب الصحابة ، والخروج عن الطاعة ، فأمر بكبسه يوم الجمعة [ ص: 5 ] وقت الصلاة فكبس ، وأخذ من وجد فيه فعوقبوا وحبسوا حبسا طويلا ، وهدم المسجد حتى سوي بالأرض ، وعفى رسمه ، ووصل بالمقبرة التي تليه ، ومكث خرابا إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، فأمر الأمير بجكم بإعادته وإحكامه وتوسعة بنائه ، فبني بالآجر والجص ، وسقف بالساج المنقوش ، ووسع فيه ببعض ما يليه مما ابتيع له من الأملاك التي للناس ، وكتب في صدره اسم الراضي بالله ، وكان الناس ينتابونه للصلاة فيه والتبرك ، ثم أمر المتقي بالله [بعد] بنصب منبر فيه ، وكان في مدينة المنصور معطلا مخبوءا في خزانة المسجد ، عليه اسم فنصب في قبلة المسجد ، وتقدم إلى هارون الرشيد ، أحمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمي ، وكان الإمام في مسجد الرصافة بالخروج إليه ، والصلاة بالناس فيه الجمعة ، فخرج وخرج الناس من جانبي مدينة السلام ، حتى حضروا هذا المسجد ، وكثر الجمع ، وحضر صاحب الشرطة ، فأقيمت صلاة الجمعة فيه يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وعشرين [وثلاثمائة] ، وتوالت صلاة الجمع فيه ، ثم تعطلت الصلاة فيه بعد الخمسين وأربعمائة .
وفي يوم الخميس لسبع خلون من جمادى الآخرة: سقطت رأس القبة الخضراء بالمدينة .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أنبأنا
[ ص: 6 ]
إبراهيم بن مخلد أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال: سقطت رأس القبة الخضراء التي في قصر لتسع خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ، وكان تلك الليلة مطر عظيم ، ورعد هائل ، وبرق شديد ، وكانت هذه القبة تاج أبي جعفر المنصور بغداد ، وعلم البلد ، ومأثرة من مآثر بني العباس عظيمة ، بنيت أول ملكهم ، وكان بين بنائها وسقوطها مائة وسبع وثمانون سنة .
أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا قال:] أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت [الخطيب علي بن أبي علي البصري قال: حدثني أبي قال: قال لي أبو الحسين بن عياش :
اجتمعت في أيام المتقي بالله إسحاقات كثيرة ، فانسحقت خلافة بني العباس في أيامه ، وانهدمت قبة الخضراء التي كان بها فخرهم فقلت له: ما كانت الإسحاقات؟ المنصور
قال: كان يكنى أبا إسحاق ، وكان وزيره القراريطي ، يكنى: أبا إسحاق ، وكان قاضيه ابن إسحاق الخرقي ، وكان محتسبه أبو إسحاق بن بطحاء ، وكان صاحب شرطته أبو إسحاق بن أحمد ، وكانت داره القديمة في دار إسحاق بن إبراهيم المصعبي وكانت الدار نفسها دار إسحاق بن كنداج .
واشتد الغلاء في جمادى الأولى وزاد ، وبلغ الكر الدقيق مائة وثلاثين دينارا ، وأكل الناس النخالة والحشيش ، وكثر الموت حتى دفن جماعة في قبر واحد بلا صلاة ، ولا غسل ، ورخص العقار والقماش حتى بيع ما ثمنه دنانير بعددها دراهم .