[ ص: 275 ] ثم دخلت سنة سبعين وثلاثمائة فمن الحوادث فيها:
الصاحب بن عباد ورد إلى خدمة عضد الدولة عن مؤيد الدولة ، وعن نفسه؛ فتلقاه أن عضد الدولة على بعد من البلد ، وبالغ في إكرامه ، ورسم لأكابر كتابه وأصحابه يعظمونه ، وكانوا يغشونه مدة مقامه ، ولم يركب هو إلى أحد منهم ، وكان غرض عضد الدولة تأنيسه وإكرام مؤيد الدولة ، ووصلت كتب مؤيد الدولة يستطيل مقام الصاحب ويذكر اضطراب الأمور ببعده .
ثم إن عضد الدولة برز إلى ظاهر همذان في ربيع الآخر للمضي إلى بغداد ، وخلع على الصاحب الخلع الجميلة ، وحمله على فرس بمركب ذهب ، ونصب له دستا كاملا في خركاه تتصل بمضاربه ، وأقطعه ضياعا جليلة ، وحمل إلى مؤيد الدولة في صحبته ألطافا ، وورد عضد الدولة إلى بغداد ، فنزل بجسر النهروان في يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة ، وطلب من الطائع أن يتلقاه ، فخرج إليه الطائع من غد هذا اليوم ، فتلقاه وضربت له قباب وزينت له الأسواق .
قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان : لم تكن العادة جارية بخروج الخلفاء لتلقي أحد من الأمراء ، فلما توفيت فاطمة أخت معز الدولة أبي الحسين [ ص: 276 ] ركب إلى المطيع معز الدولة يعزيه عنها ، فنزل معز الدولة ، وقبل الأرض بين يديه ، وأكثر الشكر ، فلما صار عضد الدولة إلى بغداد في الدفعة الأخيرة مستوليا على الأمور فيها ، أنفذ أبا الحسن محمد بن عمر العلوي من معسكره ندبا إلى حضرة الطائع ، فوافى [ باب ] دار الخلافة نصف الليل ، وراسل بأنه قد حضر في مهم .
فجلس له الطائع وأوصله فقال: يا مولانا أمير المؤمنين ، قد ورد هذا الملك ، وهو من الملوك المتقدمين ، وجاري مجرى الأكاسرة المعظمين ، وقد أمل من مولانا التمييز عن من تقدمه ، والتشريف بالاستقبال الذي يتبين على جميل الرأي فيه ، فقال الطائع : نحن له معتقدون ، وعليه معتزمون ، وبه قبل السؤال متبرعون ، فأعلمه ذلك ، قال ابن حاجب النعمان : ولم يكن نية في ذلك ولا هم به ، لأنه علم أنه لا يجوز رده؛ فأحب أن يجعل المنة ابتداء منه . للطائع
قال محمد بن عمر : فعدت إلى عضد الدولة من وقتي ، فعرفته ما جرى فسر به ، وخرج الطائع من غد فتلقاه في دجلة ،
قال محمد بن عمر : فقال لي عضد الدولة ، هذه خدمة قد أحسنت القيام بها ، وبقيت أخرى لا نعرف فيها غيرك ، وهي منع العوام من لقائنا بدعاء وصياح . فقلت: يا مولانا تدخل إلى البلد قد تطلعت نفوس أهله إليك ، ثم تريد منهم السكوت ؟ ! فقال: ما نعرف في كفهم سواك! وكان أهل بغداد قد تلقوه مرة بالكلام السفيه ، فما أحب أن تدعو له تلك الألسنة . قال: فدعوت أصحاب المعونة ، وقلت: قد أمر الملك بكذا وتوعد ما يجري من ضده بضرب العنق ، فأشاعوا في العوام ذلك ، وخوفوا من ينطق بالقتل ، فاجتاز عضد الدولة ، فرأى الأمر على ما أراد ، فعجب من طاعة العوام لمحمد بن عمر ، فقال: هؤلاء أضعاف جندنا ، وقد أطاعوه ، فلو أراد بنا سوءا كان ، ورأى في روزنامج [ ص: 277 ] ألف ألف وثلاثمائة ألف درهم ، باسم محمد بن عمر مما أداه من معاملاته ، فقبض عليه واستولى على أمواله .
وفي ليلة الخميس الحادي عشر من جمادى الآخرة: زفت السيدة بنت عضد الدولة إلى الطائع ، وحمل معها من المال والثياب والأواني والفرش الكثيرة .
وفي هذا الشهر ورد رسول من صاحب اليمن إلى عضد الدولة ، ومعه الهدايا والملاطفات ما كان في جملته قطعة عنبر وزنها ستة وخمسون رطلا .
وزادت دجلة في هذه السنة زيادة مفرطة ، والفرات ، وانفجر بثق ، وسقطت قناطر الصراة فوقعت الجديدة في نصف ذي القعدة ، ووقعت العتيقة بعدها ، وكان يوم الأربعاء ، ثم وقع الشروع في عمل القنطرتين ، فأنفق عليهما المال الكثير ، وبنيتا البناء الوثيق .
الصيدلاوي رجلا يقطع الطريق ، فاحتال عليه بعض الولاة ، فدس إليه جماعة من الصعاليك ، أظهروا الانحياز إليه ، فلما خالطوه قبضوا عليه ، وحملوه أسيرا إلى وكان الكوفة ، فقتل وحمل رأسه إلى بغداد ،
وحج بالناس في هذه السنة أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي ، وخطب بمكة والمدينة للمغربي صاحب مصر ،