ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة 
 [جمع أبو المنيع قرواش بن المقلد  أهل الموصل  وأظهر عندهم طاعة الحاكم صاحب مصر   ]  
فمن الحوادث فيها : 
أنه ورد الخبر بأن أبا المنيع قرواش بن المقلد  جمع أهل الموصل  وأظهر عندهم طاعة الحاكم صاحب مصر  وعرفهم ما عزم عليه من إقامة الدعوة له ودعاهم إلى قبول ذلك ، فأجابوه جواب الرعية المملوكة وأسروا الإباء والكراهية ، وأحضر الخاطب في يوم الجمعة الرابع من المحرم ، فخلع عليه وأعطاه النسخة ما يخطب به ، فكانت : 
"الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وله الحمد الذي انجلت بنوره غمرات الغضب ، وانقدت بقدرته أركان النصب ، وأطلع بنوره شمس الحق من الغرب الذي محا بعدله جور الظلمة وقصم بقوته ظهر الغشمة فعاد الأمر إلى نصابه ، والحق إلى أربابه البائن بذاته المتفرد بصفاته الظاهر بآياته المتوحد بدلالاته ، لم تفته الأوقات فتسبقه الأزمنة ، ولم تشبهه الصور فتحويه الأمكنة ، ولم تره العيون فتصفه الألسنة ، سبق كل موجود وجوده ، وفات كل جود جوده ، واستقر في كل عقل توحيده ، وقام في كل مرأى شهيده ، أحمده بما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده ، وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده ، وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك ، ولا يعتريها وهم الشك ، خالصة من الإدهان ، قائمة بالطاعة والإذعان ، وأشهد أن محمدا  عبده ورسوله صلى الله عليه اصطفاه واختاره لهداية  [ ص: 75 ] الخلق ، وإقامة الحق ، فبلغ الرسالة ، وهدى من الضلالة والناس حينئذ عن التقوى غافلون ، وعن سبيل الحق ضالون ، فأنقذهم من عبادة الأوثان ، وأمرهم بطاعة الرحمن حتى قامت حجج الله وآياته ، وتمت بالتبليغ كلماته صلى الله عليه وعلى أول مستجيب له على أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، أساس الفضل والرحمة ، وعماد العلم والحكمة ، وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأرومة المقدسة المطهرة ، وعلى خلفائه الأغصان البواسق من تلك الشجرة ، وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة . 
أيها الناس اتقوا الله حق تقاته ، وارغبوا في ثوابه ، واحذروا من عقابه فقد ترون ما يتلى عليكم في كتابه ، قال الله تعالى : 
يوم ندعوا كل أناس بإمامهم   . وقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم   . فالحذر الحذر أيها الناس ، فكأن قد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة ، وقد بان أشراطها ولاح سراطها ومناقشة حسابها والعرض على كتابها : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره  ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره   - 8 . 
اركبوا سفينة نجائكم قبل أن تغرقوا ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا  ، واعلموا أنه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ، وأنيبوا إلى الله خير الإنابة ، وأجيبوا داعي باب الإجابة قبل أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين  أو تقول : لو أن الله هداني لكنت من المتقين  أو تقول حين ترى العذاب : لو أن لي كرة فأكون من المحسنين   .  [ ص: 76 ] 
تيقظوا من الغفلة والفترة قبل الندامة والحسرة وتمني الكرة والتماس الخلاص ولات حين مناص ، وأطيعوا إمامكم ترشدوا ، وتمسكوا بولاة العهد تهتدوا ، فقد نصب لكم علما لتهدوا به ، وسبيلا لتقتدوا به ، جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده ، وجعل الإيمان زاده والهمة تقواه ورشاده ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين" . 
ثم جلس وقام فقال : "الحمد لله ذي الجلال وخالق الأنام ، ومقدر الأقسام المتفرد بالبقاء والدوام ، فالق الإصباح وخالق الأشباح ، وفاطر الأرواح أحمده أولا وآخرا ، وأستشهده باطنا وظاهرا ، وأستعين به إلها قادرا ، وأستنصره وليا ناصرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا  عبده ورسوله شهادة من أقر بوحدانية إيمانا واعترف بربوبيته إيقانا وعلم برهان ما يدعو إليه ، وعرف حقيقة الدلالة عليه . 
اللهم صل على وليك الأزهر ، وصديقك الأكبر  علي بن أبي طالب  أبي الأئمة الراشدين المهتدين ، اللهم صل على السبطين الطاهرين  الحسن   والحسين  ، وعلى الأئمة الأبرار الصفوة الأخيار من أقام منهم وظهر ، ومن خاف منهم واستتر ، اللهم صل على الإمام المهدي بك ، والذي بلغ بأمرك وأظهر حجتك ونهض بالعدل في بلادك هاديا لعبادك ، اللهم صل على القائم بأمرك وعلى المنصور بنصرك اللذين بذلا نفوسهما في رضاك وجاهدا أعداءك ، اللهم صل على المعز لدينك ، المجاهد في سبيلك ، المظهر لآياتك الحقية والحجة الجلية . اللهم صل على العزيز بك الذي مهدت به البلاد وهديت به العباد ، اللهم اجعل توافي صلواتك وزواكي بركاتك على سيدنا ومولانا إمام الزمان وحصن الإيمان وصاحب الدعوة العلوية والملة النبوية عبدك ووليك المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله  أمير المؤمنين ، كما صليت على آبائه الراشدين وأكرمت أولياءك المهتدين ، اللهم أعنه على ما وليته ، واحفظه فيما استرعيته ، وبارك له فيما آتيته وانصر جيوشه ، وأعل أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها ، إنك على كل شيء قدير" . 
وكان السبب في هذا أن رسل  الحاكم  ومكاتباته كانت تتردد إلى قرواش  ترددا  [ ص: 77 ] أوجبت استمالته ، فأقام له الدعوة بالموصل  على ما ذكرناه وانحدر إلى الأنبار  ، فتقدم إلى الخطيب بإقامتها فهرب الخطيب إلى الكوفة  فأقامها بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول ، وأنفذ إلى القصر  والمدائن  فأقيمت بها في يوم الجمعة التاسع من هذا الشهر ، وكشف قرواش  وجهه بالخلاف وأظهر المباينة وأدخل يده في المعاملات السلطانية وخبط الناس خبطة المخارقة ، وورد على الخليفة من هذا ما أزعجه فراسل عميد الجيوش وكاتب  بهاء الدولة  وأنفذ إليه أبا بكر محمد بن الطيب  المتكلم رسولا ، وحمله قولا طويلا ، فقال : والله إن عندنا من هذا الأمر أكثر مما عند أمير المؤمنين ، لأن الفساد علينا به أكثر وقد كاتبنا أبا علي  وتقدمنا بإطلاق مائة ألف دينار يستعين بها على نفقات العسكر ، وإن دعت الحاجة إلى مسيرنا كنا أول طالع على أمير المؤمنين . 
ثم نفذ إلى قرواش  في ذلك فاعتذر ووثق من نفسه في إزالة ذلك ووثق له في ترك المؤاخذة به ، ثم وقع الرضا عنه وأقيمت الخطبة  للقادر بالله  ، وكان  الحاكم  قد نفذ إلى قرواش  ما قيمته ثلاثون ألف دينار فسار الرسول فتلقاه قطع الخطبة بالرقة  فكتب إلى  الحاكم  يعرفه فكتب : "دع ما معك عند والي الرقة"   . 
وفي يوم الخميس لسبع بقين من صفر انقض كوكب في وقت العصر من الجانب الغربي إلى سمت دار الخلافة من الجانب الشرقي لم ير أعظم منه   . 
ولخمس بقين من رجب زادت دجلة   وامتدت الزيادة إلى رمضان ، فبلغت إحدى وعشرين ذراعا ، ودخل الماء أكثر الدور الشاطئة ، وقطيعة الدقيق  ، وباب التبن  ، وباب الشعير  ، وباب الطاق  ، وفاض على مسجد الكف بقطيعة الدقيق فخربه واحتمل أجذعه وسقوفه ، وتفجرت البثوق وغرقت القرى والحصون . 
 [ورود الوزير أبي غالب بن خلف  إلى بغداد   ]  
وفي هذه السنة : ورد الوزير أبو غالب بن خلف  إلى بغداد  ، وقد رد إليه أمر العراق  ، ولقب فخر الملك   . 
 [تقليد أبي محمد مكرم  كرمان   ]  
وفيها : قلد أبو محمد مكرم  كرمان  مضافة إلى عمان   .  [ ص: 78 ] 
وفيها عصى أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوي  على  الحاكم  ، ودعا إلى نفسه  وتلقب بالراشد بالله   . ولم يحج في هذه السنة أحد من العراق   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					