وفي هذا الوقت كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي ومن معه من الدعار المتغربين من الأجمة بالأحمرية ، وكانوا يدخلون على الدار التي يعينون عليها من نقوب ينقبونها إليها فيصيح أهلها ويطلبون مغيثا أو معينا من الأتراك الذين يجاورونهم ، فلا يخرج أحد منهم من داره ، ولا يمتعض لما يجري في جواره ، وزاد الأمر بخلو الجانب الشرقي من ناظر في معونة ، ودخل على أبي بكر بن تمام الخطيب ومنزله ملاصق مسجد القهرمانة بإزاء دار المملكة ، فصاح واستغاث بالملك ودعاه باسمه ، فلما كان في ليلة السبت لثلاث بقين من ذي القعدة ارتفع الصياح ليلا في جوار دار المملكة لأن هؤلاء الدعار قصدوا دارا لبعض الأتراك وحاولوا الوصول إليها فنذر بهم وسمع الملك الصوت فركب في غلمانه وحواشيه وخرج إلى باب درب حماد ، فطلب القوم ، وخرج كثير من العامة يدعون له ويذكرون الأتراك بما يعجزونهم فيه ، فعاد إلى داره ، وتعدى الفساد من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي ، وكبست فيه [ ص: 201 ] دور ، وفتحت دكاكين ، وكبس جامع الرصافة ليلا ، وأخذت ثياب من فيه ، واستؤذن الخليفة في تحويل آلات الجامع من الستور ، والقناديل ، فحولت إلى التربة بالرصافة .
وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة : أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا بتقليده قضاء القضاة ، وخلع عليه ثم قرئ عهده بعد ذلك في جامع حضر الأشراف والقضاة والشهود في دار الخلافة ، وقرئ عليهم عهد الرصافة وجامع المدينة .
وفي يوم الجمعة الذي كان عيد النحر : خرج الناس والجند إلى ظاهر البلد بحضرة مسجد براثا ، فلم يحضر خطيب ولا حضر صاحب معونة ، فلما طال الانتظار قيل لأحد المؤذنين في الموضع تقدم فصل ، فتقدم وكبر في أول ركعة ما لم يضبط عدده حيرة ودهشا ، وسجد قوم ولم يسجد قوم ، وكبر في الركعة الثانية تكبيرة أو تكبيرتين ، ووقعت الصيحة فظن أنها من فتنة فانزعج الناس واختلطوا وانقطعت الصلاة ، وكان سبب انقطاع الخطباء عن هذا الموضع ما سبق ذكره عن أبي منصور بن تمام الخطيب ، وغيظ الخليفة في أن لم يفعل مقابلة ذلك لما كتب وأمر به ، ثم اجتمع بعد هذا قوم من مشايخ أهل الكرخ ، فصاروا مع إلى دار الخلافة ، فأحالوا على سفهاء الأحداث فيما جرى على الخطيب ، وسألوا الصفح عن هذه الجناية ، وأن لا يخلى عن هذا المسجد من المراعاة وإقامة الخطبة فيه ، فأقيم لهم خطيب وعادت الصلاة في الشريف المرتضى مسجد براثا منذ يوم الجمعة غرة المحرم بعد أن عملت للخطيب نسخة يعتمدها فيما يخطب وإعفاءهم الخطيب من دق المنبر بعقب سيفه ، ومن قوله : "اللهم اغفر للمسلمين ومن اعتقد أن عليا مولاه" .
وفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة : ورد وجماعة من العيارين كانوا مقيمين أبو يعلى الموصلي بأوانا وعكبرا ، فقتلوا خمسة من الرجالة وأصحاب المسالح ، وظهروا من الغد في الكرخ بالسيوف المسلولة ، وأظهروا أن كمال الدولة أبا سنان أنفذهم لحفظ البلد وخدمة السلطان ، فثار بهم أهل الكرخ فقتلوا وصلبوا .
وفي هذه السنة : مصر جيشا لقتال صالح بن مرداس صاحب [ ص: 202 ] حلب ، وبعث الجيش مع جند صاحب أنوشتكين التزبري ، فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن ، فاستظهر التزبري وقتل صالحا وابنه ، وأنفذ رأسيهما إلى مصر ، وأقام نصر بن صالح بحلب .
وتأخر الحج في هذه السنة من خراسان والعراق