لحقت وفي هذه الأيام: شكاة أرجف به فوقع الانزعاج وانتقل من كان ملتجئا إلى داره ومقيما بها ، ونقل ما كان فيها من الأموال ، وتكلم الغلمان في مطالبة الأمير ولي العهد بمال البيعة ، ثم استقل الخليفة مما وجده ، ثم وجد الغلمان وأظهروا كراهية الملك القادر بالله جلال الدولة ، وشكوا اطراحه تدبيرهم ، وأشاعوا بأنهم يقطعون خطبته في الجمعة المقبلة إلى أن يستقر رأيهم على من يختارونه ، فعرف الملك ذلك فأقلقه ، وفرق مالا في بعضهم ، ووعدهم ، وندل أن يحلف لهم فحلف ثم عادوا الاجتماع والخوض في قطع خطبته ، وقالوا: قد وقفت أمورنا وانقطعت موادنا ويأسنا من أن يجري لنا على يد هذا الملك خير ، وهو إن أرضى بعضنا فماذا يصنع الباقون ، وأنفذوا إلى دار الخلافة جماعة من طوائفهم يقولون قد عرف أمير المؤمنين صورتنا مع هذا الملك وما هو عليه من اطراحنا ونريد أن تأمر بقطع خطبته ، فخرج الجواب بأننا على ما تعرفون من المراعاة لكم ، وهذا الرجل مولاكم وشيخ بني بويه اليوم ، وله في عنقنا عهود ، وإذا أنكرتم منه أمرا رددناه عنه وتوسطنا الأمر ، فأما غير هذا فلا يجوز الإذن فيه ، فإن قبلتم هذا وإلا فما خل فيها ولا نأمركم بها ، فانصرفوا غير راضين ، وصليت الجمعة من غد ووقعت الخطبة على رسمها إلا في جامع الرصافة ، فإن قوما من الأتراك حضروا عند المنبر ومنعوا أبا بكر بن تمام الخطيب من ذكر الملك ، وضرب أحدهم يد الخطيب ، وخاف الناس الفتنة فتفرقوا من غير صلاة ، ثم عاودوا الشكوى حتى شارفت الحال المكاشفة ، ثم توطنوا فسكتوا . [ ص: 216 ]
وكان المهرجان في رمضان فلم يجلس السلطان فيه ولا ضرب له دبدبة على ما جرى به الرسم ، وقد كان الطبالون انصرفوا قبل ذلك بأيام وقطعوا ضرب الطبل في أوقات الصلوات وذلك لانقطاع الإقامة عنهم وعن الحواشي ، ثم وقع عيد الفطر فجرت الحال على مثل هذه [السبيل] ، ولم يركب إلى الجامع والمصليان صاحب المعونة ، ولا ضرب بوق ، ولا نشر علم ، ولا أظهرت زينة ، وزاد الاختلاط ووقعت الفتنة بين العوام ، وأحرقت سوق الخراطين ، ومدبغة الجلود ، وقبلها سوق القلائين ، وكثر الاستقفاء والكبسات ، ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكسية وأصحاب الخلقان أشفى منها أهل الكرخ على خطر عظيم ، والفريقان متفقان على مذهب التشيع .
وثارت في هذا الوقت فتنة بين الغلمان ، فمالت العوام إلى بعضهم فأوقعوا بهم وأخذوا سلاحهم ، ثم نودي في الكرخ بإخافة العيارين وبإحلالهم يومين ، فلما كان الليل اجتمعوا وكانوا نحوا من خمسين ووقفوا علىدجلة بإزاء دار المملكة وعليهم السلاح وبين أيديهم المشاعل ، وصاحوا بعد الدعاء للملك بأنا يا مولانا عبيدك العيارون ، وما نريد ابن النسوي واليا علينا فإن عدل عنه وإلا أحرقنا وأفسدنا ، وانصرفوا فخرج قوم منهم إلى السواد ، ثم طلبوا فهربوا ، ثم عادوا إلى الكبسات والعملات .
وفي أول ذي الحجة: جرت فتنة وقتال شديد على القنطرتين العتيقة والجديدة ، واعترض أهل باب البصرة قوما من القميين لزيارة المشهدين بالكوفة والحائر ، وقتلوا منهم ثلاثة نفر ، وجرحوا آخرين ، وامتنعت زيارة المشهد بمقابر قريش يومئذ .