ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة 
فمن الحوادث فيها: 
أنه لما أفسدت الأعاريب في سواد بغداد  وأطرافها حملت العوام السلاح لقتالهم ،  وكان ذلك سببا إلى كثرة العيارين وانتشارهم في محرم هذه السنة . 
ووقع الإرجاف بأن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل  وارد إلى بغداد  فغلت الأسعار ،  ثم ورد الخبر أن السلطان ألب أرسلان  قبض على عميد الملك أبي نصر منصور بن محمد بن الكندري  في عشية يوم السبت السابع من المحرم ، وأخذ ماله ، ثم أنفذ إلى مروالروذ  واعتقل بها ، وخلع على وزيره نظام الملك أبي علي الحسين بن إسحاق الطوسي  في ذلك اليوم ، وروسلت السيدة ابنة الخليفة في الحال بالإذن لها في المسير إلى بغداد ،  وأنفذ إليها خمسة آلاف دينار للنفقة فأبت أن تقبل ، فقبح عليها أن ترد فقبلت ، ووصلت إلى بغداد  عشية يوم الأحد ثالث عشر ربيع الآخر ، واجتمع العوام لمشاهدة دخولها فدخلت ليلا ، وكان في صحبتها القاضي أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن ،  فحضر بيت النوبة  وسأل قاضي القضاة  الدامغاني  أن  [ ص: 87 ] يكون جلوس هذا القاضي الوارد دونه فلم يجب ، وأمر أن يجلس على روشن بيت النوبة  بمعزل من المجلس ، فقام هذا القاضي فخطب خطبة ، وصف فيها ألب أرسلان ،  وشكر وزيره نظام الملك ، ثم جلس وسلم الكتب الواصلة معه وكانت كتابين إلى الخليفة ، وكتابا إلى الوزير فخر الدولة أبي نصر بن جهير ،  فخرج الجواب يتضمن شكر السلطان ألب أرسلان ،  والاعتداد بخدمته في تسيير السيدة ، وتقدم إلى الخطباء بإقامة الدعوة ، فقيل في الدعاء: اللهم أصلح السلطان المعظم عضد الدولة ،  وتاج الملة أبا شجاع ألب أرسلان محمد بن داود ،  فبعث عشرة آلاف دينار وزنا ومائتي ثوب إبريسمية أنواعا ، وحوالة على الناظر ببغداد  بعشرة آلاف أخرى ، وعشرة أفراس ، وعشرة بغلات ، وقيل للسلطان في أمر عميد الملك ، وأنه لا فائدة في بقائه ، فإنه غير مأمون أن يفسد ، فأمر بالمكاتبة إلى مقدم مروالروذ  بقتله وصلبه ، وأنفذ ثلاثة غلمان لذلك . 
وبيعت في هذا الزمان دار بنهر طابق  بثلاثة قراريط ، وبيعت دار بواسط  بدرهم . 
وفي ربيع الأول: شاع ببغداد  أن قوما من الأكراد  خرجوا متصيدين فرأوا في البرية خيما سودا سمعوا فيها لطما شديدا ، وعويلا كبيرا ، وقائلا يقول: قد مات سيدوك ملك الجن ، وأي بلد لم يلطم به عليه ولم يقم فيه مأتم قلع أصله ، وأهلك أهله . فخرج النساء العواهر من حريم بغداد  إلى المقابر يلطمن ثلاثة أيام ، ويخرقن ثيابهن وينشرن شعورهن ، وخرج رجال من السفساف يفعلون ذلك ، وفعل هذا في واسط  وخوزستان  من البلاد ، وكان هذا فنا من الحمق لم ينقل مثله . 
ولما فرغت خلع السلطان سأل العميد أبو الحسن  أن يجلس الخليفة جلوسا عاما لذلك ، فجلس يوم الخميس سابع جمادى الآخرة في البيت المستقبل بالتاج المشرف على دجلة ،  وأوصل إليه الوزير فخر الملك ،  وتقدم بإيصال العميد والقاضي أبي عمر  فدخلا فشافههما بتولية عضد الدولة ،  واستدعى اللواءين فعقدهما بيده ، وسلمت الخلع بحضرته ، ورتب للخروج بالخلع أبو الفوارس طراد الزينبي ،  وأبو محمد التميمي ،  وموفق الخادم ، وكتب معهم إلى السلطان كتاب بتوليته ، ولقب العميد شيخ  [ ص: 88 ] الدولة ثقة الحضرتين ، ولقب نظام الملك قوام الدين والدولة رضى أمير المؤمنين ، وهو يذكر في تلك البلاد بخواجا بزرك . 
 [هجوم قوم من أصحاب عبد الصمد  على أبي علي بن الوليد  المدرس لمذهب المعتزلة]   
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان: هجم قوم من أصحاب عبد الصمد  على أبي علي بن الوليد  المدرس لمذهب المعتزلة  فسبوه وشتموه لامتناعه من الصلاة في الجامع وتدريسه لهذا المذهب ، فقال لهم: لعن الله من لا يوثر الصلاة ، ولعن الله من يمنعني منها ويخيفني فيها؛ إيماء إليهم وإلى أمثالهم من العوام لما يعتقدونه في أهل هذا المذهب من استحلال الدم ، ونسبتهم إلى الكفر ، وأوقعوا به وجرحوه ، وصاح صياحا خافوا اجتماع [أهل الموضع] معه عليهم ، فتركوه ثم أغلق بابه ، واتصل اللعن للمعتزلة  في جامع المنصور ،  وجلس أبو سعد بن أبي عمامة  فلعن المعتزلة .  
وفي يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من رمضان: جمع أبو عبد الله بن جردة  البيع جمعا عظيما من الضعفاء ليتصدق عليهم ، فكثروا ، فمنعهم بواب باب المراتب فأثخنوه ضربا ، ففرق على نحو مائتي نفس قميصا ودرهمين درهمين ، ثم كثر الجمع وجاء النفاطون والركابية فخافهم على نفسه ، فرمى الثياب والدراهم عليهم ومضى ، فازدحموا فمات خمسة رجال وأربع نسوة ، وصار الرجل إذا لقي الرجل فيقول: كنت في وقعة ابن جردة .  فيقول: نعم . فيقول: الحمد لله على سلامتك . 
 [غزاة السلطان أبي الفتح  الروم]   
وفي شوال: ورد الخبر بغزاة السلطان أبي الفتح  الروم ،  وأنه دخل بلدا عظيما كان لهم فيها سبعمائة ألف دار ، وألف بيعة ودير ، وقتل به ما لا يحصى ، وأسر خمسمائة ألف منهم . 
وفي ذي القعدة: وكان تشرين الأول ، وامتد إلى تشرين الثاني: حدث وباء عظيم تفاقم بنهر الملك ، وتعدى إلى بغداد ،  وكان فيها حر شديد ، وفساد هواء ، وزيادة إنداء ، وعدم التمر الهندي حتى بلغ الرطل منه أربع دنانير ، وكذلك الشيرخشك . 
 [ ص: 89 ] 
وخلع في ذي القعدة على النقيب أبي الغنائم المعمر بن محمد بن عبيد الله العلوي  في بيت النوبة ،  وقلد نقابة الطالبيين ، والحج ، والمظالم ، ولقب بالطاهر ذي المناقب ، وقرئ عهده في الموكب . 
				
						
						
